كتاب عربي 21

باسيل وزيراً لزراعة التفّاح والأحقَاد

1300x600
ليس الرجل بأهمية إفراد مقال له لكن موقعه وما يعلنه من مواقف عنصرية تجعل التبرّؤ منها واجباً وطنياً لبنانياً، إنه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر بالتوريث المبكّر من والد زوجته الجنرال ميشال عون، المهندس الشاب الطموح الذي استطاع خلال سنوات قليلة من السياسة والسلطة وبسرعة قياسية بناء ثروة تتحدث عليها وسائل إعلام لبنانية بأنه وصلت إلى حد تمكينه من شراء طيارة خاصة.

"أنا مع إقرار قانون منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأولادها، لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا" يقول باسيل الصَيّاح بهذه المفردات، علَّها تثير ضجةً إيجابيةً عند قومه وسلبيةً عند من يهدّدون أرضه بحسب روايته الانتخابية المفتوحة والمفخوتة، فينجح بالاتجاهين في التعمية على مشاكله مع الشارع المسيحي وأزمته مع الشارع الإسلامي ومنطق الدولة.

لا يكتفي طربون الباسيل (bassil تعني بالعربية نبتة الحبق) بإفرازٍ عنصري واحد خلال أسبوع فأتبعه بتغريدة أخرى على "تويتر" تفتّقت فيها عبقريته وكتب "تكلمتُ مع عدة دول ومنظمات دولية سابقاً، وحالياً خلال وجودي في الأمم المتحدة، وزادت قناعتي أن تصريف التفاح اللبناني يكون بإلزام منظمات النازحين بشرائه". بمعنى أنه يريد أن يبتز النازحين السوريين بإجبارهم على أكل التفاح وعصر وكبسه وتحويله إلى مُرَبّى وربما قليه وشويه، لأن ليبيا ودولاً خليجية ما عادت تستورد تفاح لبنان كما في السابق.

مشكلة جبران باسيل مع المجتمع المسيحي تبدأ من داخل تيار عمّه الجنرال عون الذي أجرى مراسيم نقل رئاسة الحزب منه إلى أصغر أصهاره وأكثرهم دلالاً بعملية تهريب توتاليتارية ناعمة جعلت صقور العونيين ينشقون عن التيار الواحد تلو الآخر فيما لا يزال قسم منهم ملتزم تنظيمياً حتى الآن احتراماً للمؤسس. 

أما مشاكله مع الشارع المسيحي عموماً فتتصدّرها مبالغته في الارتماء بحضن حزب الله ومشروعه في لبنان والمنطقة على حساب العلاقة مع كل المحيط اللبناني والعربي والإسلامي، كذلك سعيه لتجاوز أعراف الطائفة في تشكيل الموقف المسيحي العام ولا سيما في الأزمات، وهذا الموقف تاريخياً يقوم على إجماع الأحزاب والعائلات السياسية ويتفيّأ ظل البطريركية المارونية، بينما يعتبر باسيل ضمنياً أن حماية الوجود المسيحي في لبنان تتأمّن بإرضاء حزب الله وترسيخ مبدأ المقايضة بالمصالح معه، وهذه ذمّية مقَنّعة برأي كثير من المسيحيين. كما أن أحد أبرز حلفاء حزب الله المسيحيين الوزير سليمان فرنجية ينتقد باستمرار حلم باسيل بتجاوز الكبار في الطائفة. 

مشاكل السيد جبران مع المسلمين يصعب إحصاؤها بدءاً من العلاقة المتوتّرة مع كل رؤساء الحكومات حتى الرئيس الحالي تمّام سلام الذي سبق أن وصفه الموقع الإلكتروني لتيار باسيل بالدّاعشي، كذلك فإن الرفض المتبادل قائم بين العونيين ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وصولاً إلى استنفار جبران الدائم للإساءة إلى وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، ما يُنظر إليه على أنه موقف طائفي بحت. وعندما يتحدث عن العائلات السورية النازحة ينتابه القرف الشديد مما يصفه بدخولها إلى صلب المجتمع اللبناني وتأثيرها على ثقافته وعاداته. علماً أن أبرز العادات السياسية اللبنانية على الإطلاق الوقوف على أبواب الحاكم السوري وعند أقدامه أحياناً، بعضهم كُرهاً أيام الوصاية القسرية وبعضهم طوعاً الآن. 

مشاكل جبران باسيل في وزارة الخارجية تتنوّع بين انعدام خبرته الدبلوماسية والإلمام بالبروتوكول، مروراً بافتقاره للكاريزما الشخصية، وصولاً إلى إسقاط مواقفه ومصالحه الشخصية على الموقف الرسمي للدولة اللبنانية الذي يجب أن تعبّر عنه وزارة الخارجية. ولم يخجل باسيل من إصدار بيان استنكار للتجربة النووية لكوريا الشمالية، في وقت سدّ فيه أذنيه وعينَيه عن قرار قضائي لبناني خطير يتهم ضابطَين رفيعَين في الجيش السوري بالوقوف وراء تفجيرين لمسجدَين في مدينة طرابلس عام 2013، مع أن الموضوع يعني وزارة الخارجية صاحبة الصلة مع السفارة السورية في بيروت بشكل مباشر.

أما المشاكل الأخطر لجبران باسيل فهي مع نفسه ولا تنحصر بسقوطه المتكرر في الانتخابات النيابية، ولا بشعوره بالصراع مع الزمن والمُجاهدة للإستفادة ما أمكن من كل أنفاس عمّه الجنرال، بل ربما تتلخص بخوفه من المستقبل، ليس تيار المستقبل "المُستضعَف" الذي يتلطى خلف العداء معه، بل المستقبل الحقيقي المتصل وجوباً بتاريخ لبنان الذي لطالما لفظ مثل هذه الظواهر من كل الطوائف وخصوصاً عند الموارنة، فجيشُهم عند المِحَن إسمه القوات اللبنانية، ودبلوماسيتهم اسمها الكتائب اللبنانية، وحكمتهم وتعايشهم مع المسلمين مكرُمةٌ لآل فرنجية. فما هو تخصّص باسيل الذي سيحتاجه اللبنانيون عموماً والمسيحيون على وجه الخصوص؟