نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من الزميلة الباحثة في هارفارد فيرا ميرونوفا، ونائب مدير مكتب كردستان في "إراق أويل ريبورت" محمد حسين، حول الانفجار الداخلي الذي يواجهه
تنظيم الدولة، ويناقشان الخلافات الداخلية بين العناصر
العراقية والسورية من جهة، والأجنبية من جهة أخرى.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "التنظيم وعلى مدى السنوات الماضية اتسم بجانب مهم، وهو قدرته على اجتذاب مقاتلين أجانب. فالفكرة مثيرة للاهتمام، وهناك أمر مخيف حول عملية تعبئة إرهابية من أنحاء العالم كله؛ من أجل قتل السكان العراقيين والسوريين، ومساعدة التنظيم على الحصول على مناطق جديدة، واهتمت الحكومات الغربية بموضوع المقاتلين الأجانب، حيث خافت من عودة هؤلاء بعدما عركتهم المعارك، وتدربوا على أساليب الحرب من أجل تنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم".
ويرى الكاتبان أن "السلاح الفتاك من المقاتلين، الذي اعتمد عليه تنظيم الدولة، تحول بعد ثلاثة أعوام إلى عامل مهدد، وقد يقطع اليد التي أطعمته، ويتحول المقاتلون الأجانب شيئا فشيئا إلى عامل تهديد، حيث كان واضحا منذ البداية أن أهداف المقاتلين المحليين لا تتوافق مع تلك التي يدافع عنها الأجانب، ورغم تأكيد قيادة التنظيم على المساواة بين المقاتلين، مهما كانت أصولهم أو جنسياتهم، لكن لم يكن يخفى على أحد التوتر بين من هو محلي وأجنبي".
وتستدرك المجلة بأن "استقرار التنظيم، وقدرته على التوسع، والزيادة في إيرادات النفط، قضت على بعض التنافس بين الطرفين، ومع تراجع التنظيم في ساحات المعركة، وانخفاض ميزانيته، فإنه لم يعد غنيا ولا يستطيع شراء الولاء، ومن هنا، فإن الانقسام الداخلي بات يؤثر في قدرة التنظيم الحربية، ففي العراق خسر تنظيم الدولة ثلاث معارك خاضها للسيطرة على بلدتين و30 قرية".
وينقل المقال عن مقاتلين محليين، قولهم إن المقاتلين الأجانب مثيرون للمشكلات، مشيرا إلى أن رفض أو عدم استعداد المقاتلين الأجانب للتعاون مع المقاتلين المحليين، أدى إلى التنافس على المال والسلطة.
ويشير الكاتبان إلى أنه في تموز/ يوليو 2015، قتل مقاتل ألباني وروسي ثلاثة مقاتلين محليين، وجرحا عددا آخر، في حقول علاس النفطية جنوب كركوك، التي كانت نقطة عبور لعمليات تهريب النفط، لافتين إلى أن مقاتلين محليين يقولون إن الطرفين اشتبكا بسبب خلافات حول استراتيجيات الحرب والمواجهة، قرب منطقة علم، بالإضافة إلى أن المقاتلين الأجانب رفضوا إطاعة أوامر المقاتلين الأجانب.
وتذكر المجلة أن السكان المدنيين في المنطقة يرفضون تصديق هذا التبرير، حيث يقولون إن النزاع بين الطرفين هو بسبب الموارد النفطية، ويقول مظهر عباس من بلدة العباسية، الذي كان يعمل سائق شاحنة: "قامت مجموعة عراقية ببيع النفط لشاحنات النفط المتجهة إلى
سوريا عبر الموصل، وحصلت جماعة أخرى على الرشوة، لتمر هذه الشاحنات، إلا أن المقاتلين الأجانب حاولوا وقف الشاحنات من أجل فحصها، وكان قتالهم من أجل المصالح التجارية".
ويورد المقال أمثلة أخرى لهذه الخلافات عندما كانت تصل بين المقاتلين المحليين والأجانب إلى المحاكم، حيث كان الأجانب يضغطون على القضاة لإصدار أحكام قاسية، مثل الإعدام ضد المقاتلين المحليين الذين يخالفونهم بالرأي.
ويعلق الكاتبان قائلين إنه "ليس سرا أن التنظيم طبق سياسة تمييزية في مؤسساته، فإن منصب المقاتل في هيكلية التنظيم يقوم على أساس جنسيته، سواء كان أمريكيا أم أوروبيا أم من شرق أوروبا، بمن فيهم الروس والشيشان، وقد احتل هؤلاء مناصب قيادية في المرتبة الوسطى في مصانع القنابل ومعسكرات التدريب أو القواعد العسكرية على الجبهات، أما الصينيون – من وسط آسيا- فاستخدموا في العمليات الانتحارية، وبالنسبة للعرب، فإنهم ينقسمون إلى قسمين: من هم في قمة القيادة، ومن هم في أدنى التسلسل القيادي".
وتلفت المجلة إلى أن العمل في هذه الهيكلية استمر لمدة عامين، إلا أن المقاتلين الأجانب أقنعوا القيادة بتسليمهم قيادة العمليات في كل من
سنجار وبشير؛ أملا في الحصول على مناصب عليا، ووافقت القيادة، التي ندمت على هذا القرار؛ حيث كانت نتائج المعركتين كارثية على التنظيم.
ويوضح المقال أنه في 10 نيسان/ أبريل 2016، هرب المقاتلون الأجانب "روس وشيشان وصينيون" من ساحة المعركة قبل أربع ساعات من وصول مقاتلي البيشمركة، وتخلى هؤلاء عن المقاتلين المحليين، وتركوهم دون ذخيرة أو إمدادات أو أسلحة دفاعية، مشيرا إلى أن النتيجة كانت الهزيمة، وخسر خلالها التنظيم أربعة مواقع استراتيجية، قرب مناطق كركوك الغنية بالنفط.
وينوه الكاتبان إلى أن معركة سنجار، التي قادها فرنسيون وروس وأمريكيون، كانت أسوأ من التي قبلها، حيث إنه قبل أيام على بدء المعركة، سرق مقاتل أوروبي 70 ألف دولار واختفى، تاركا بقية المقاتلين دون طعام أو ذخيرة ولا قوات دعم، مشيرين إلى أن معركة سنجار لم تستغرق سوى يوم واحد، وقال مقاتل محلي شارك في المعركة إن "المقاتلين الأجانب لم يخسروا سنجار، بل باعوها بدلا من الدفاع عنها".
وتعلق المجلة قائلة إن "هذه التصرفات الجبانة تعزز الشكوك العميقة لدى المقاتلين المحليين والمدنيين، وتنشر بينهم نظريات المؤامرة، ففي البداية اعتقد السكان المحليون أن الأجانب مؤمنون حقا، وعلى درجة عالية من المهنية، ومتعلمون، أما الآن فهم يعتقدون أن هؤلاء بلطجية، والتفكير (المنطقي) الوحيد أن هؤلاء يعملون لصالح حكوماتهم، أي أنهم جواسيس، ويقول ضابط عراقي سابق: (هناك الكثير من الشائعات المنتشرة في الحويجة عن المقاتلين الأجانب، وبأن أعلامهم تحتوي على مواد فسفورية ترسل إشارات إلى طائرات التحالف الدولي)، التي تقودها الولايات المتحدة، فتقوم بضربهم وقواعدهم التي يعملون فيها".
وبحسب المقال، فإن معركتي بشير وسنجار كانتا المبرر ليستلم المقاتلون المحليون المناصب العليا والقيادية في ساحات المعركة، إلا أن المقاتلين الأجانب لم يكونوا مستعدين للتخلي عنها، مشيرا إلى أن نزاعا بين مقاتلين محليين وفرنسيين حول إدارة منطقة باب الطوب في الموصل، أدى إلى إطلاق النار على جماهير في سوق الموصل.
ويبين الكاتبان أن قادة التنظيم في العراق استطاعوا التغلب على المشكلة، من خلال عزل المقاتلين الأجانب من المناصب الإدارية والسياسية، وتكليفهم بمهام لها علاقة بتكنولوجيا المعلومات، والعمل الأمني، ومصانع القنابل، والمهام الفنية، مشيرين إلى أنه تم نقل المقاتلين الأجانب في بعض المناطق إلى مناطق ريفية لتقليل احتكاكهم بالسكان، ورد هؤلاء بعمليات تخريبية، ففي أيلول/ سبتمبر، قام مقاتل سعودي بتخريب نفق كبير يصل ما بين مركز بلدة الشرقاط ومنطقة شكرة، وكان نفق هروب، لكنه دمره بعدما هرب، ما وسع من فجوة الخلاف بين المقاتلين المحليين والأجانب.
ويخلص الكاتبان إلى القول إن "المقاتلين الأجانب سيخسرون مواقع التأثير، وكلما خسروا فإنهم سيدمرون التنظيم معهم".