هل انتهت ما يطلق عليها "الدولة الإسلامية"؟ سؤال طرحته هيلينا ميريمان، من برنامج "ذا إنكويري" في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وتقول ميريمان إن "
تنظيم الدولة، تحت القصف الروسي والضربات التركية والعراقية والسورية والكردية، بالإضافة إلى طيران التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، خسر مساحات واسعة من الأراضي، والمقاتلين والأموال، ماذا يعني هذا كله؟ هل انتهى؟".
وتضيف الكاتبة، بحسب ما ترجمته "
عربي21"، أنه في 13 آب/ أغسطس من هذا العام، تم تحرير مدينة منبج من قبضة تنظيم الدولة، وعندما خرج آخر مقاتل منها احتفل سكان المدينة، حيث جلس الرجال في زوايا الشوارع، وبدؤوا يحلقون لحى بعضهم، فيما خلعت النساء الحجاب والنقاب، وقمن بإحراقهما، وجلست سيدة عجوز وهي تدخن وتضحك عبر دخان سيجارتها، وهو أمر كان التنظيم يعاقب فاعله عقابا شديدا، وخسر أيضا كوباني والقريتين وتكريت والفلوجة، والسؤال هو كم هي مساحة الأرض التي خسرها؟".
ويشير الموقع إلى أن مؤسسة تقدير المخاطر المعروفة "آي أتش أس" أجابت عن هذا السؤال، حيث أعدت خريطة أظهرت فيها حجم المناطق التي لا يزال التنظيم يسيطر عليها، وقالت المؤسسة إن حجم الأراضي التي لا تزال خاضعة له يعتمد على الطريقة التي تنظر إليه وتقيسه، ويقول المحلل البارز في المؤسسة فراس أبي علي: "لو شملت الصحراء، فإن التنظيم خسر نصف ما كان يسيطر عليه قبل عام".
وتجد ميريمان أنه "بدلا من ذلك، فإنه من المناسب النظر إلى المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم وخسرها، فبخروج منبج عن سيطرته فإنه خسر المعابر إلى المناطق الحدودية مع تركيا، التي تعني وصول المقاتلين الأجانب، والسلاح، والذخيرة، بالإضافة إلى أن خسارة المدن تعني تراجع القدرات المالية".
وينقل الموقع عن أبي علي، قوله: "عندما تسيطر على الأرض والناس فإنك تحصل على الموارد، وتستطيع ابتزاز السكان، وعندما تخسر المناطق فإنك تخسر الموارد المالية، ما يعني قلة الأموال المتوفرة"، ويقدر أبي علي أن التنظيم خسر ثلث قدراته لكسب المال، وتوقع هزيمته بشكل كامل في نهاية عام 2017.
ويقول الموقع إن السؤال هو "إن كان التنظيم سيعود ويسيطر مرة أخرى على بعض هذه المدن، والجواب متعلق بالدعم".
وتشير الكاتبة إلى أن حسن حسن، الذي سيطر التنظيم على بلدته قبل عدة سنوات، يعمل في معهد التحرير في واشنطن، واستطاع خلال السنوات القليلة الماضية الحديث مع مقاتلي التنظيم من خلال الإنترنت، ويعلق قائلا: "هم خائفون بالتأكيد، وتخرج بانطباع أن الكثير من الناس فقدوا المعنويات والحماسة التي كانوا يملكونها عام 2014 عندما انضموا لـ(الدولة الإسلامية)؛ لأنها كانت (خلافة) وكانت تتمدد".
وتعلق ميريمان قائلة: "أما اليوم، فإن الخلافة تتقلص، ويغادرها آلاف المقاتلين، إضافة إلى من قتلوا في ساحات المعركة"، ويعتقد حسن أن تنظيم الدولة خسر نصف من قاتلوا في صفوفه، وهناك من لم يقاتلوا معه، لكنهم قدموا له الدعم، أو تسامحوا مع وجوده، وهم إن لم يكونوا كثرة، إلا أن وجودهم سهل مهمة التنظيم للسيطرة على مدنهم وبلداتهم، وهؤلاء تغيروا هم أيضا.
ويقول حسن للموقع: "لم يفهم السكان في
العراق وسوريا تنظيم الدولة في البداية، لكنهم اليوم يفهمونه، ولم يعد السكان يتحدثون عنه بالطريقة التي كانوا يتحدثون فيها عام 2014 ذاتها".
ويقول الموقع: "يبدو أن تنظيم الدولة بدأ يتقبل مصيره، ففي النسخة العربية من مجلة (دابق) بدأ يتحدث عن الانسحاب، ويقول حسن: (بدؤوا يحضرون مقاتليهم نفسيا للانسحاب إلى الصحراء، ويقومون ببث أشرطة فيديو لمقاتلي التنظيم في معارك في الصحراء، وهذه الأشرطة جديدة)، وهناك أسئلة حول خسارة الأرض، والمقاتلين، والمال، وماذا يعني هذا كله لاستقرار التنظيم وقدرته على شن هجمات جديدة؟".
وتورد الكاتبة نقلا عن مدير مركز السياسات الدولية للدفاع والأمن في مؤسسة "راند" سيث جونز، قوله: "تتحول الدولة الإسلامية من منظمة تسيطر على مساحات واسعة، إلى جماعة إرهابية، تقوم بتنفيذ هجمات ضد أهداف محددة"، مشيرا إلى أنه في عام 2014 كان عدد الهجمات التي ينفذها التنظيم كل شهر ما بين 150 إلى 200 هجوم، مقارنة بعام 2016، حيث بلغ عدد الهجمات التي نفذها كل شهر 400 هجوم،
ويقول جونز: "يحاولون تشجيع الناس الذين يعتقدون أن التنظيم في تراجع لمواصلة القتال؛ وذلك من أجل إظهار أنهم يقاتلون، ويستهدفون الكفار"، ويتابع قائلا إن "تنظيم الدولة يرغب بضرب الدول التي تشارك في الحملة ضده، مثل بريطانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، إلا أن تراجع ماليته يجعل من تحقيق هذا الطموح أمرا صعبا".
وتجد ميريمان أنه "لهذا كله بدأ التنظيم يعتمد على أفراد ليقوموا بهجمات فردية، ولم يعد قادته يخططون للعمليات المعقدة، وبدأ ببناء فروع له في أفغانستان، ونيجيريا، وأفغانستان، والسعودية، والجزائر، ومصر، وفي أجزاء من أوروبا، لكنه يتعرض لضعوط في هذه المناطق، وهنا يبزر السؤال الآتي: إلى متى سيظل التنظيم يلهم الأفراد للقيام بهجمات؟ وهل سيأتي وقت يفقد فيه القدرة على شن هجمات؟".
ويقول جونز للموقع: "عند نقطة ما ستتراجع هذه الهجمات، عندما يبدأ التنظيم بالخسارة بشكل واسع، ولا يعرف متى تأتي هذه اللحظة لتنظيم الدولة، لكنني لا أعتقد أنها قريبة، لكنها ممكنة على المدى المتوسط"، ويقول الخبراء إن خسارة التنظيم معقله في العراق، وهي مدينة
الموصل، ومعقله في
سوريا مدينة
الرقة، باتت مسألة وقت.
وتنقل الكاتبة عن الباحث في مدرسة لندن للاقتصاد، ومؤلف كتاب "تنظيم الدولة: تاريخ" فواز جرجس، قوله: "حتى لو تم تفكيك أراضي الخلافة في العراق وسوريا، فإن هذا لا يعني نهاية التنظيم".
ويرى الموقع أنه "رغم أن تنظيم الدولة يشترك مع بقية الجماعات، مثل تنظيم القاعدة، في أيديولوجيتها، إلا أنه يختلف في عدد من الملامح: فقد غزا مدنا، ومحا الحدود، وأعلن دولة، وأضفى التنظيم بعدا جديدا على الجهادية العالمية، بحسب جرجس، الذي يقول: (سيظل نموذج الخلافة يلاحق خيال الجهاديين لأعوام قادمة)".
وتقول ميريمان إن "السؤال الأخير: ماذا سيظل من تنظيم الدولة؟".
ويخلص "بي بي سي" إلى القول إنه "قبل عام، لم يتوقع أحد خسارة التنظيم مناطقه بهذه السرعة، ومع خسارته مناطق، فإنه سيخسر مقاتلين، وفي النهاية ما هو معنى (الدولة الإسلامية) دون دولة؟ فهل انتهت (الدولة الإسلامية؟) نعم وعندها سيبدأ التمرد".