قرر حزب
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر الأحزاب اليسارية
المغربية الممثلة في البرلمان، توجيه رسالة إلى
الملك محمد السادس للاحتجاج على ما اعتبره "قطبية مصطنعة"، أفرزتها نتائج
الانتخابات، مجددا وقوفه في صفوف المعارضة، حتى إشعار آخر.
وقال المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في بلاغ أصدره الثلاثاء، إن الحزب قرر رفع مذكرة إلى جلالة الملك، رفضا لما وصفه بـ"القطبية المصطنعة".
وأعلن البلاغ: "إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو المستهدف الأول من هذه الحملة التبخيسية، حيث تواجهه آلة رهيبة من الإشاعات الرخيصة، استهدفت قيادته، على الخصوص، وعملت بشكل ممنهج على تشويه صورتها وتضخيم الخلافات الحزبية الداخلية وتشجيعها، بمختلف الأشكال والوسائل، بهدف تشتيت صفوف الحزب، تمهيدا للقضاء عليه، وهي المهمة التي مازالت متواصلة، من خلال محاولة التقزيم الانتخابي".
وأضاف أن المكتب السياسي، وهو يقدم هذا التشخيص للمشهد العام، بعد استحقاقات السابع من أكتوبر، فإنه ينبه إلى خطورة الوضعية التي يعيشها المشهد الحزبي، يعلن لكافة المناضلات والمناضلين، وللرأي العام، أنه مستمر في النضال من الموقع الذي اختارته له الأجهزة الحزبية التقريرية، وأنه سيواصل نضاله من موقعه الحالي، وأن كل تغيير لهذا الموقع في المعارضة رهين بقرار الأجهزة التقريرية، مسجلا استمرار الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية في الاستهانة بالمؤسسات الدستورية وعدم احترام الأعراف الديمقراطية والسعي إلى تأويل الدستور تأويلا سلبيا.
وأفاد: "أمام هذا الوضع، فإن المكتب السياسي، قرر توجيه مذكرة إلى جلالة الملك، محمد السادس، طبقا للفصل 42 من الدستور، باعتباره الحكم الأسمى بين المؤسسات والساهر على احترام الدستور والضامن لحسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة الاختيار الديمقراطي وحماية حقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات".
وسجل: "إذ يُقدم المكتب السياسي على هذه المبادرة، فلأنه مقتنع بأن التعاقد بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية، هو الذي أدى إلى تحصين المسلسل الديمقراطي".
المستهدف هو البام
وقال المحلل السياسي عبد الرحيم العلام إن "المستهدف من بلاغ الاتحاد الاشتراكي ليس حزب
العدالة والتنمية بل حزب
الأصالة والمعاصرة (البام)، الذي حصد مقاعد المعارضة وتحول فجأة إلى قطب سياسي".
وتابع العلام في تصريح لـ"
عربي21" قائلا: "نتائج العدالة والتنمية كانت عادية جدا ومتوقعة، ففي انتخابات 2011 حصل على 107 نائبا برلمانيا، وأضاف إليها حوالي 20 بعد خمس سنوات من العمل الحكومي، لكن المثير هو نتائج الأصالة والمعاصرة، والتي تعني فعلا تحول المغرب إلى (قطبية مصطنعة) كما عبر عنها بلاغ الاتحاد الاتحاد الاشتراكي".
وسجل العلام أن الاتحاد الاشتراكي "لم يمتلك الشجاعة الكافية ليطعن سياسيا في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لذلك اعتمد على ما وصفه بـ(تشكيك) العدالة والتنمية في نتائجها أيضا، ربما تفاديا لتقريع جديد كما جرى في الانتخابات السابقة".
وأضاف العلام: "أنا مع التأويل الديموقراطي لبلاغ الاتحاد الاشتراكي، فالحزب كان يقصد بالعمل الإحساني واستغلال الدين حزب الأصالة والمعاصرة الذي فتح دار القرآن مثلا من أجل الحصول على أصوات الناخبين السلفيين، وكذا العمل الخيري الإحساني، حيث كان العدالة والتنمية ضحية كل هذه الممارسات".
أسباب الهزيمة
قال الاتحاد الاشتراكي إن "النتائج المعلن عنها، لم تؤد إلى فرز حقيقي بين الأغلبية والمعارضة، حيث تقدم، في هذه الانتخابات، حزبان من كلا الصفين، في الوقت الذي تراجعت باقي الأحزاب، سواء تلك التي كانت مشاركة في الائتلاف الحكومي أو خارجه، وسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن عبر عن تشكيكه القوي، في هذه القطبية المصطنعة، منبها إلى أنها غير مبنية على أي سند سياسي، أو اختيارات اقتصادية أو اجتماعية، غير التموقع الانتخابي، بأساليب كرست نموذجا زبونيا/نفعيا، أساسه الغالب، المال و"المساعدات" العينية، تحت غطاء الإحسان".
وذكر "المكتب السياسي، بالمقترحات التي قدمها بخصوص إصلاح المنظومة الانتخابية، كجزء من الإصلاح السياسي، الذي كان ينبغي أن يرافق دستور 2011، والتي تمحورت حول ضرورة ضمان تمثيلية حقيقية للأحزاب السياسة، ونزاهة الانتخابات، وإعادة النظر الشاملة في تقطيع الدوائر وحجم اللوائح وعدد مكاتب التصويت وكيفية الإشراف عليها ومراقبتها، والابتعاد عن الجمعة، كيوم للتصويت، الذي يستغل دينيا، في الانتخابات، وضرورة سن قانون لإجبارية التصويت، خاصة بعدما ظهر واضحا، خطورة العزوف وضعف التمثيلية، بالإضافة إلى ما عرفته اللوائح الانتخابية من تلاعب".
وجدد التذكير "بعمليات الغش التي شابت الانتخابات الجماعية والجهوية، لرابع أيلول/سبتمبر 2015، والتي ما زالت تداعياتها القضائية حاضرة لحد اليوم، بل أكثر من ذلك، إن الحزب الذي تصدر استحقاقات السابع من أكتوبر والذي أوكل له، الإشراف عليها، سواء من خلال مؤسسة رئاسة الحكومة، أو من خلال اللجنة المشرفة عليها، هو نفسه الذي لجأ إلى التشكيك في نزاهتها ، وفي مؤسسات الدولة برمتها".
وأضاف أن "ما تقدم به حزبنا من مقترحات حول المنظومة الانتخابية، في شموليتها، كان يهدف إلى فرز تمثيلية حقيقية نزيهة وشفافة، للأطياف السياسة، غير أن الرفض الذي تمت مواجهته بها، من طرف رئيس الحكومة وأغلبيته، أدى عمليا إلى ما نعيشه اليوم من تقاطب مصطنع، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يقضي على الأحزاب الوطنية الديمقراطية، لأنها خرجت من رحم الشعب المغربي، فهي ليست مجرد هيآت مفتعلة، ذات طبيعة ظرفية، تمليها نزوعات الهيمنة أو إكراهات التوازنات الإستراتيجية".
وشدد: "واجب حزبنا تحمل مسؤوليته للتنديد بمظاهر خطيرة، شوهت، بشكل جلي، المنافسة الانتخابية، من قبيل استغلال الجمعيات الدعوية في التجييش الانتخابي، عن طريق تكوين شبكات لتوزيع الهبات المالية والعينية، وصرف أموال طائلة، يجهل مصدرها ومدى قانونية تحصيلها وتوزيعها، والتي استعملت أيضا في التغطية الإعلامية والبهرجة والتحركات والمهرجانات... وكذا استغلال الفضاءات الدينية، وترويج خطاب الكراهية والتحريض، في مهاجمة الخصوم السياسيين".
وسجل: "لقد خصصت أموال لشراء الأصوات، دون أن يتم ردع هذه الأفعال المجرمة قانونا، كما سجل على بعض رجال السلطة وأعوانها ورؤساء مكاتب التصويت لجوؤهم إلى الغش الانتخابي".
وأثار "المكتب السياسي الانتباه إلى خطورة ظاهرة العزوف الانتخابي، حيث بلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية حوالي 16 مليون ناخب، من أصل 28 مليون مواطنة ومواطنا في سن التصويت، كما ينبه إلى معضلة المشاركة المتواضعة، حتى بالنسبة للمسجلين في اللوائح الانتخابية، إذ بلغت نسبة الذين لم يصوتوا منهم،57 في المائة، مما يضعف كثيرا من شرعية كل المؤسسات المنتخبة، ولذلك فهو يحمل المسؤولية الرئيسية في هذا الصدد، للحكومة ولكل الآليات المؤسساتية التي لم تعمل على تشجيع المواطنين للمشاركة القوية في الانتخابات. فالتفعيل الحقيقي للدستور، لا يمكن أن يتم بدون مشاركة فاعلة للشعب في الحياة العامة، غير أن ما حصل، عمليا، هو دفع المواطنين إلى النفور من السياسة، عبر تبخيس دور الأحزاب وصورة النخب وترويج الإشاعات الرخيصة وتسويق خطاب شعبوي منحط".