احتلت مصر في عهد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، المركز الثاني بين الدول الأفريقية، في قائمة الدول الأكثر إجراء لتجارب الأدوية الأجنبية على المرضى، خاصة تلك المتعلقة بعلاج الأورام، وفق تقرير صدر الثلاثاء الماضي عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ويُقبل المرضى من الطبقات الفقيرة والمتوسطة على الخضوع للتجارب السريرية لبعض أنواع الأدوية، كوسيلة وحيدة للحصول على علاج مجاني، في ظل غياب منظومة تأمين صحي للمواطنين، بينما يشكل الإنفاق الشخصي على العلاج نحو 72 بالمئة من إجمالي الإنفاق على الصحة، وتستحوذ الأدوية على نسبة الثلث.
وقال الباحث في برنامج "الحق في الصحة" بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الطبيب أيمن السبع، إن "التقرير استغرق وقتا طويلا لإجراء مقابلات مع المشاركين، سواء من المرضى أو الباحثين في التجارب السريرية"، مشيرا إلى أن "غالبية المرضى ليست لديهم القدرة على تحمل تكاليف العلاج، خاصة المتعلقة بالأمراض السرطانية".
الفقر واحتياج الدواء
وأضاف السبع لـ"عربي21" أن "هناك عدة أسباب جعلت مصر من أكثر البلدان إجراء للتجارب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من بينها بنية مصر التحتية الجاذبة للبحث، والزيادة السكانية السريعة، وانتشار الجهل بالأدوية والعلاجات، بالإضافة إلى انخفاض تكلفة إجراء هذه التجارب، وغياب الرقابة الصارمة".
ولفت إلى أن "البحث اقتصر على التجارب التي تتم بشكل رسمي في مراكز طبية، وجامعات تعمل فيها مجموعات من الباحثين وأساتذة الجامعة، والتي تمولها إحدى الشركات التي تتعاقد مع شركة بحث، أو مع الجامعة نفسها".
وكشف أنه "من بين 24 دواء جُرب بمصر في الفترة الأخيرة، لم يُتح منها في مصر سوى 15 صنفا، وباقي الأدوية غالية السعر"، مشيرا إلى أن "هناك أدوية لعلاج السرطان تصل تكلفتها الشهرية إلى 25 ألف جنيه، أي ما يعادل 20 ضعفا للحد الأدنى من الأجور".
وانتقد السبع ما وصفه بـ"الانتهاك المباشر لأخلاقيات البحث العلمي، حيث لا يوجد تعويض للحالات المتضررة، أو مقابل مادي للحالات المشاركة، أو تأمين صحي لهم"، مشيرا إلى أن "جزءا كبيرا من هذه
الانتهاكات مرتبط بعدم وعي المشاركين بحقوقهم، وغياب التشريعات والقوانين، وضعف أداء الجهات الرقابية".
انتهاك أخلاقيات البحث العلمي
من جهته، اعتبر منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، الطبيب محمد حسن خليل، تصدر مصر للتجارب السريرية "خبرا سلبيا"، مشيرا إلى أن "هناك قانونا يحتم على شركات الأدوية تجربة العقاقير الجديدة في بلدانها أولا".
وقال لـ"عربي21" إن "من بين كل خمسة أدوية تدخل مرحلة التجريب على البشر، دواء واحدا فقط تثبت فائدته وعدم ضرره البالغ"، لافتا إلى أن "بعض الأدوية، التي تنتجها بعض الشركات السويسرية في الخارج، ممنوعة من التداول في سويسرا؛ بسبب خروقات أخلاقيات البحث العلمي".
وأضاف خليل أن "إعلان وزارة الصحة المصرية عزمها السماح لشركات الأدوية بالتجارب على المرضى المصريين؛ لجذب استثمارات طبية، خطأ بالغ"، مؤكدا أنه "بعد تجاوز مرحلة التجارب على الحيوانات، فإن أول تجربة ينبغي أن تُجرى على الآدميين في دولة المنشأ، وليس في دولة فقيرة".
غياب دور الدولة
بدوره، قال أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، رؤوف حامد، إن "تقرير المبادرة المصرية يؤكد ضعف التأمين الصحي في البلاد".
وأضاف لـ"عربي21" أن "مثل هذه التجارب تفتقر إلى النظم والقواعد التي تحكم التجارب السريرية، ولا تتمتع بشفافية في الإعلان عن النتائج أيا كانت، كما أنه لا يوجد دور رقابي مشدد للدولة أو لمؤسسات المجتمع المدني".
ورأى حامد أنه "في غياب النظم والقوانين والتشريعات، وعدم دراية المرضى بحقوقهم، وقصر ذات اليد، يستشرى الاستغلال"، مطالبا بـ"إيجاد نظام رعاية صحي متكامل يغلق الباب أمام شركات الأدوية في استغلال المرضى وحاجتهم للعلاج".