اعتبر محللون سياسيون أن خارطة المبعوث الأممي الأخيرة إسماعيل
ولد الشيخ، لحل النزاع باليمن، تشكل منعرجا خطيرا بالنسبة للحكومة المعترف بها دوليا كونها تهدف إلى الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وتقوي قطبي الانقلاب، أي جماعة
الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وتقول مسودة الخطة: "بمجرد التوقيع على الاتفاقية الكاملة والشاملة يستقيل نائب الرئيس الحالي "الأحمر" ويعين الرئيس هادي النائب الجديد للرئيس بعد التوافق عليه مع الطرف الآخر".
وتضيف خطة ولد الشيخ التي سربت أمس الأربعاء، أنه "عند اكتمال الانسحابات من صنعاء وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة (بما في ذلك راجمات الصواريخ الباليستية) ينقل الرئيس هادي كافة صلاحياته إلى نائب الرئيس على أن يقوم هذا الأخير بتعيين رئيس الوزراء الجديد والذي يحل محل الحكومة السابقة.
خطة أمريكية بريطانية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي
اليمني، ياسين التميمي أن خطة ولد الشيخ هي "أمريكية بريطانية" تمت صياغتها وفق "أولويات هاتين الدولتين".
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21" أنه "بات واضحا أنها تهدف لتأسيس مسار جديد، لا يحتكم للمرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وقرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني) بل يفرغ هذه المرجعيات من مضمونها، ويعيد تأسيس حضور الانقلابيين في المشهد السياسي فيما يشبه المكافأة التي تمنح لهم بعدما أصبحوا يحملون توصيفا جديدا هو (الأقلية) كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأمريكية في وقت سابق من العام الجاري".
وتابع قوله: "الحوثيون أقلية طائفية تنتهج الخط الإيراني بامتياز، وهذه المكافأة نظير جهدها في تقويض البنيان الهش للدولة اليمنية بهدف إفراغه من محتواه السني المولد "للإرهاب" في تقدير الصليبية الجديدة التي يعبر عنها الغرب دون أن يرف له جفن".
وأشار التميمي إلى أن "المضمون المسرب لخطة ولد الشيخ أحمد يكتسب مصداقيته ربما من رد الفعل القوى من جانب السلطة الشرعية التي لم تتحمل تجاهلها إلى هذا الحد من جانب المبعوث الأممي فأعلنتها صراحة بأنها لم تتسلم نسخة من هذه الخطة، التي يفخر الرجل بأنها تحظى بدعم دولي واسع".
وأوضح السياسي التميمي أن "اجتماع الرباعية الأخير بشأن اليمن الذي عقد في لندن مؤخرا، قبل أقل من شهر، قد شهد تسوية تحت الضغط، تماهت معها الإمارات وتقبلتها السعودية على مضض، في ظل ابتزاز مارسته لندن وواشنطن، مفاده اقبلو بالخطة ولن نطرح مسودة قرار في مجلس الأمن لوقف الحرب".
واعتبر أن هذا المقترح المطروح، يعد تعقيدا خطيرا وربما أكثر جدية من التعقيدات السابقة التي لم تكن في الواقع مغايرة عن التعقيد الحالي، لكن لم يكن هناك قصف جوي على مجلس عزاء في صنعاء، كما هو الحال الآن.
إدانة للشرعية والتحالف
قال رئيس مركز الجزيرة العربية، أنور الخضري إن المبادرة الأخيرة لمبعوث
الأمم المتحدة، تمثل قفزة كبيرة نحو الخلف فهي عوضا عن تطبيق القرار الأممي 2216 الذي تستند عليه جهود المبعوث الدولي تتجه نحو وضع الشرعية كمشكلة يقوم الحل على تغييرها وإحلال بديل عنها، بالتوازي مع سكوتها عن الطرف الآخر المنقلب عليها.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن خارطة ولد الشيخ مكافأة للانقلابيين وإدانة للسلطات الشرعية وإغلاق لملف الجريمة التي ارتكبت بحق الدولة والشعب منذ العام 2014 (في إشارة إلى تاريخ اجتياح الحوثيين لصنعاء)، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى والمخفيين ومئات الآلاف من المهجرين واللاجئين.
ولفت إلى أن المبادرة لم تقدم من ولد الشيخ بالطبع، بل يراد تمريرها عبره بعد التشاور مع الطرف الانقلابي الذي تظهر مطالبه حاضرة بقوة فيها. مبينا أنه في حال تمريرها فإنها لاشك إدانة صريحة للشرعية والتحالف والجيش الوطني والمقاومة وترمي بكل التضحيات نحو مستقبل مجهول.
نسف جهود عودة الشرعية
وفي شأن متصل، أكد رئيس تحرير "الموقع بوست" عامر الدميني أن هذه المبادرة تنسف كل الجهود القائمة لإعادة الشرعية في اليمن، وتعيد تشكيل المشهد ليس على أساس شرعية وانقلاب، بل على أساس أطراف متصارعة، رغم أن الملف اليمني بات لدى
التحالف العربي والمجتمع الدولي في الوقت نفسه.
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21": "للأسف المبادرة برمتها تسعى للتخلص من أهم شخصيتين في الشرعية اليمنية وهي "الرئيس هادي ونائبه الأحمر"، لتكريس الضعف في موقف الشرعية نفسها لاحقا، تمهيدا لذوبانها داخل جسد الانقلاب إذا ما نجحت المبادرة ووجدت طريقها للتطبيق".
وعد الصحفي الدميني المبادرة "حقنة تخدير لا أكثر" لترحيل الحرب إلى سنوات قادمة، لكنها لم تلامس حتى قشور المشكلة القائمة في البلاد.
وذكر الدميني أن المشكلة في اليمن ليست صراعات شخصية وليست نزهة أيضا بل "رغبة شعبية للخلاص من المد المليشياوي المدعوم من إيران والمهدد لأمن وحياة اليمنيين ودول الجوار أيضا".
ملحق عسكري للخطة
من جانب آخر، أفاد رئيس المركز الإعلامي في حزب المؤتمر (جناح صالح) أحمد الحبيشي أن مبادرة ولد الشيخ تتضمن ملحقا عسكريا، ينص على "تسليم ميناء الحديدة والسواحل الغربية لقوات دولية".
وأضاف الحبيشي في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك" أن المحلق العسكري تضمن "تسليم سلاح جميع الأطراف إلى لجنة عسكرية مشتركة، 40% منها للحكومة الشرعية المقيمة حاليا في الرياض، و40% للمؤتمر وأنصار الله الحوثيين، و20% ضباط من التحالف العربي" وكذلك "انسحاب جيش صالح والحوثي من الحدود السعودية قبل التوقيع على أي اتفاق".
ولم يتسن لـ"
عربي21" التحقق من المعلومات الواردة في حساب القيادي بحزب المؤتمر من مصدر مستقل.
وقوبلت الخطة المسربة التي أكدها لـ"
عربي21" مصدر حكومي، بتجاهل رسمي من قبل الحكومة الشرعية، حيث نقلت وكالة "سبأ" للأنباء عن رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر قوله إن "الحكومة لم تتلق مسودة خطة السلام من الأمم المتحدة"، وهو "ما يشير إلى رفضها بالتزامن مع بيانات التأييد التي أصدرها حكام المحافظات المواليين للرئيس هادي، بالتمسك بالمرجعيات الثلاث كإطار لأي تسوية سياسية تنهي الانقلاب".
وكتب عبد الله العليمي المسؤول الكبير في مكتب الرئيس هادي على حسابه في"تويتر": "نؤكد قناعتنا الراسخة بأن كل المقترحات سيكون مصيرها الفشل إذا تجاوزت الانقلاب باعتباره أم المصائب وجذور الشرور.. إنهاء الانقلاب أولا".