لم يكن أبو محمد يعتقد أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيرى فيها وجه طفليه البريئين، فهو كالعادة يغادر بيته في أحد أحياء
حلب المحاصرة، ويذهب في مهمة قتالية، ويعود ليحتضن أطفاله الثلاثة.
هذه المرة خرج أبو محمد، لكن موازين الحرب تغيرت، وهي عادة الحرب في
سوريا، فلم يستطع العودة. خرج أبو محمد، وهو قائد مجموعة من المقاتلين الذين ينتمون لجيش الفتح، عقب فك
الحصار عن حلب قبل ثلاثة شهور، لكن حصار النظام مجددا حال دون عودته.
لم تقف مأساة أبي محمد هنا، بل كانت المأساة أنه لن يستطيع رؤية طفليه مرة أخرى. ببساطة، لقد دفنا تحت أنقاض البناية التي كانت إحدى شققها تؤويهم.
طائرة روسية قصفت حلب، وقصفت أحلام أبي محمد، الذي كان يرى في طفليه مستقبل سوريا الحرة.
يقول الناشط الميداني في حلب "عبد الكريم ليلى" لـ"
عربي21": عقب خروج أبي محمد من حلب قبل شهر ونيف، تعرضت الوحدة السكنية التي تقطن عائلته في أحد شققها لغارة جوية روسية، فقُتل اثنان من أطفاله، ونجت زوجته وطفل واحد.
أبو محمد، وفق ليلى، كان من أكثر المتشوقين لمعركة فك الحصار عن حلب، كان يقضي وقته في أعمال المراقبة والاستطلاع العسكري؛ تمهيدا للمعركة.
أبو محمد، 35 عاما، الذي ينحدر من حي السكري في حلب المدينة، شارك في غالبية المعارك، لكنه الآن يتوق لرؤية زوجته وطفله الصغير المحاصرين في حلب، وفؤاده يرنو نحو طفليه الذين قضيا بالغارة الروسية، وما زالت جثماناهما محاصرتين تحت أنقاض المبنى السكني.
أبو محمد يشارك في معركة "ملحمة حلب الكبرى"، في صفوف
الانغماسيين الأولى، يحمل حبا لزوجته وطفله، وحنينا لطفليه المدفونين تحت الأنقاض، وحقدا على قاتل أطفاله ومشرد عائلته.
والانغماسيون هم السلاح النوعي الذي تستخدمه المعارضة السورية في معركة "ملحمة حلب الكبرى" الجارية، والانغماسي هو مقاتل مدرب تدريبا خاصا على فنون قتال الشوارع والاقتحام، ويتميز بلياقة بدنية ورشاقة حركية كبيرة، وقد شكلت فرق الانغماسيين عاملا هاما في قلب الموازين بمعركة حلب الجارية. وفق الناشط الإعلامي في وكالة "ثقة" الإعلامية العاملة في حلب، ماجد عبد النور.
توكل للانغماسيين مهمة فتح الطرق نحو مواقع النظام السوري؛ تمهيدا لدخول فرق الاقتحاميين، التي تكون مهمتها تمشيط المنطقة وتثبيت النقاط، ويعدّ المقاتل الانغماسي مشروعا استشهاديا، كونه يقتحم النقاط العسكرية لقوات النظام السوري والمليشيات الشيعية، ويشتبك معهم وجها لوجه.