نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمحلل والكاتب ري تاكيه، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في واشنطن، يقول فيه إنه في الوقت الذي تشتعل فيه نار
الحرب الأهلية السورية، وتشتعل حلب، فإن السياسيين والخبراء يتقدمون بخطط لإدارة الحرب، مناطق آمنة ومناطق إنسانية، وخطط إعادة توطين لاجئين، بالإضافة إلى خطط الدبلوماسية المعروضة.
ويقول الكاتب إن "المشكلة في هذه الخطط كلها هي أنها لا تنهي الحرب، فالطريقة الوحيدة ليحصل هذا الأمر هو أن تقوم أمريكا وأوروبا برسم خطة تقسيم، ثم نشر الجيش بأعداد كبيرة لفرضها، ولذلك يفضل السياسيون والاستراتيجيون الركون إلى خطط لن تؤدي إلى توقف القتال".
وينتقد تاكيه نهج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في
سوريا، حيث قال إنه "يذكر بمحاولات وقف الحرب الأهلية في لبنان في منتصف السبعينيات، حين كانت لبنان دولة مقسمة دينيا، كما هي سوريا، حيث تضم الحكومة مسيحيين وسنة وشيعة، وعندما اختل هذا التوازن الطائفي الحساس انهار مغرقا البلد في حرب أهلية، وحاولت القوى الإقليمية التوسط، وتم التوصل في مراحل مختلفة إلى اتفاقيات كان مصيرها كلها الفشل".
ويشير المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الحرب انتهت في عام 1991، عندما اجتمعت عدة عناصر جعلت الاستمرار في الاحتراب غير قابل للاستمرار، وساعد انتهاء الحرب الباردة على المستوى العالمي، وأدى إلى سعي روسيا لتحقيق علاقات أفضل مع الغرب، والميل أكثر لأداء دور بناء أكثر في الشرق الأوسط، وعلى المستوى الإقليمي، سعت إيران تحت حكم آية الله هاشمي رفسنجاني إلى تحسين العلاقات مع السعودية، كما أنه تم تطمين سوريا بأن نفوذها في لبنان ما بعد الحرب لن يتأثر، ولذلك رأت أنه لا حاجة لتمديد الحرب".
وتبين الصحيفة أنه "في الحالة اللبنانية تم فرض اتفاق بين فاعلين خارجيين على الفصائل اللبنانية، التي كانت تميل للاستمرار في الاقتتال، وتطلب الأمر حوالي 40 ألف جندي سوري لفرض الاتفاقية، وقد تكون الحرب انتهت، لكنها تركت شعبا محطما لم يتعاف تماما من صدمة الحرب".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الاستراتيجية الأمريكية في سوريا ترتكز اليوم على مفهوم أن اتفاقا بين روسيا وأمريكا يمكن أن يؤدي إلى تقارب بين الخصمين الإقليميين إيران والسعودية، ويمكن أن يفرض بعدها على الفاعلين المحليين، كما كان الحال في لبنان، وهذا الفهم يهمل حقيقة أن روسيا وأمريكا في صراع على عدد من القضايا، وليست سوريا فقط، كما أن الإيرانيين والسعوديين في حالة حرب باردة، وسوريا هي واحدة من الجبهات، وفي الوقت ذاته، فإن الفاعلين المحليين مفترقون جدا ومتطرفون أكثر، ما يسمح لهم بوضع خلافاتهم جانبا، الكل في سوريا يحاول أن يكون هو الفائز".
ويعتقد تاكيه أن "أهم أخطاء دبلوماسية كيري هي اعتقاده بأنه يمكن إعادة تشكيل سوريا بمساعدة الروس والإيرانيين، وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فإن القوى المحلية في الغالب لن تتوقف عن الاقتتال، فلا يمكن أن نتخيل أولئك الذين قتلت عائلاتهم ببراميل الأسد المتفجرة يسكتون على استمرار حكمه، ولو لقطاع من سوريا، كما أن
تنظيم الدولة سيسعى إلى إقامة خلافة بديلة، ولذلك فإنه سيستمر بشكل أو بآخر، أما الأقلية العلوية، التي تخشى الانقراض، فإنها لن ترى سببا مقنعا لوقف القتال، أما وجود حكومة واحدة قوية تحكم سوريا كلها فهو أمر لم يعد ممكنا، وأقصى ما يمكن أن يؤمل به هو مجموعة كانتونات مقطعة تتعايش معا بصعوبة تحت شكل من أشكال الفيدرالية، التي ستأخذ عقودا للتطور".
ويرى الكاتب أن "الخيار الحقيقي الوحيد أمام الحلفاء الغربيين، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هو صياغة مجموعة قواعد لمشاركة السلطة، ومن ثم نشر قوات ضخمة لضمان استمرار الالتزام، ويجب على مخطط تقسيم كهذا أن يأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الإثنية والدينية، التي تقسم البلاد، ليتم تقسيم البلاد بناء على هذه الخطوط، فيمكن للعلويين أن تكون لهم منطقتهم، وكذلك المجموعات الإثنية الأخرى، أما السنة فيمكن لهم أن يحصلوا على الحيز الخاص بهم عندما يتم تطهيرهم من تأثير تنظيم الدولة، والأمل هو أن تتعايش هذه المجموعات في بناء فيدرالي، حيث يتم إسناد السلطة للأطراف بعيدا عن المركز".
وتلفت الصحيفة إلى أنه "يمكن لمثل هذا النظام أن يتطور تحت احتلال خارجي طويل الأمد، حيث تعيد القوات الغربية تكرار دور قوى الانتداب، الذي لعبوه في بدايات القرن العشرين، وهذا سينطوي عليه أن تتسبب القوى الغربية بخسائر وإلحاق الضرر بالضحايا".
ويرى تاكيه أنه "لهذا السبب، لن تنتهي الحرب الأهلية السورية في أي وقت قريب، وترى الأحزاب كلها سببا في الاستمرار في القتال، بينما أمريكا، التي يمكنها إيقاف الحرب، مترددة في فعل ذلك، وهذا أمر يمكن فهمه، وفشلها في إعادة تشكيل
العراق، من خلال استخدام القوة، سوف يلاحقها لعقود قادمة".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "الدبلوماسيين والمبعوثين سيبقون يلتقون ويقدمون خططهم، ويقوم السياسيون بتقديم أنصاف حلول، لا أمل لها في النجاح، وستستمر سوريا في الاحتراق".