نشرت صحيفة "الكافي جيوبوليتيكو" الإيطالية تقريرا، سلطت فيه الضوء على
الأزمات الدبلوماسية التي تعيشها
مصر مع المملكة العربية
السعودية في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين على مستوى التعاملات والاستثمارات.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مصر تعد رمزا من رموز الحضارة العربية، ليس فقط بسبب عدد سكانها الكبير، ولكن لأنها أيضا تعد منارة ثقافية تشع على كل العالم العربي المعاصر، فضلا عن مكانها الاستراتيجي ومناخها المعتدل الذي يسهل ويشجع تعاملاتها الخارجية.
وذكرت الصحيفة أن هذا الاستقرار الذي شهدته مصر سابقا سرعان ما تدهور، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة التي تجمعها مع المملكة العربية السعودية عقب اشتداد الأزمة الدبلوماسية بين القاهرة والرياض. وقد تزامن دعم المملكة للتحولات الجديدة في مصر مع تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في سنة 2013.
وأكدت الصحيفة أنه خلال زيارة الملك سلمان إلى القاهرة، وافقت كل من السعودية ومصر على توسيع التعاون في المجالات الاقتصادية والنووية؛ حيث وعد العاهل السعودي بإعطاء مصر قرضا كبيرا لتنمية شبه جزيرة سيناء.
وللتأكيد على العلاقة الوثيقة بين البلدين، اقترح سلمان بناء جسر عبر البحر الأحمر لربط البلدين، وتشكيل صندوق الاستثمار السعودي المصري، برأسمال قدره 60 مليار ريال. لكن من المرجح أن يظل ذلك في إطار الوعود؛ نظرا للأزمة الحالية التي تجمع بينهما.
ولفتت الصحيفة إلى أن بوادر الأزمة السياسية بين البلدين برزت خاصة بعد القرار المصري للتصويت في اجتماع الأمم المتحدة لصالح اقتراح روسيا المتعلق بالملف السوري. وكانت ردة فعل المملكة تنم عن غضب شديد، حيث وجهت اتهاما لسفير مصر بالتحالف مع روسيا. كما قررت شركة النفط أرامكو وقف صادرات النفط الموجهة للشركة المصرية العامة للبترول.
وفي هذا السياق، أظهر عبد الفتاح السيسي لا مبالاته بما يحدث، معتمدا على دعم إيران وروسيا وفنزويلا له، خاصة أنها مدت يد المساعدة لمصر في مجال الموارد الطاقية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع الاقتصادي في مصر متدهور؛ نظرا لارتفاع نسبة الدين العام وتراجع مداخيل السياحة التي تمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي المصري. وفي الوقت نفسه، انخفضت احتياطيات العملة المصرية، على الرغم من موافقة صندوق النقد الدولي على تسليم مصر قرضا جديدا بقيمة 12 مليار دولار.
واعتبرت الصحيفة أن البعض يرى أن قرار القاهرة بالتصويت لصالح الاقتراح الروسي حول سوريا كان إشارة مشفرة من قبل السيسي للسعوديين؛ من أجل الحصول على المزيد من الدعم الاقتصادي، ببساطة لأن مصر السيسي في خطر، على حد تعبير الصحيفة.
ومن بين الحلول التي اقترحها السيسي للخروج من هذه الأزمة، عزمه على تعميق التعاون مع إسرائيل، ودعوته لتبني مشاريع اقتصادية ثنائية.
وأضافت الصحيفة أن مصر تعد بلدا مهما في الشرق الأوسط، ويعد استقرارها أمر حاسما، لا سيما في هذا الوقت.
وأوضحت الصحيفة أن مصر تمثل لاعبا أساسيا في اللعبة الجيوسياسية الحالية في الشرق الأوسط، ونظرا لأن علاقتها متدهورة مع السعودية؛ سيكون عليها أن تبحث عن تحالفات أخرى، خاصة مع إيران وروسيا.
وأكدت الصحيفة على إلغاء الزيارة التي كان من المتوقع أن يؤديها رئيس الوزراء المصري إلى السعودية قريبا. ووفقا لبعض المحللين، فإن الخلاف قد اشتد منذ معارضة مصر للاقتراح السعودي، الذي يتمثل في إرسال قوات إلى سوريا، خلال المنتدى الاقتصادي الذي انعقد بهدف ضمان الاستثمارات السعودية في مصر، والتي بلغت 30 مليار ريال.
وبينت الصحيفة أنه على الرغم من غضب الملك سلمان الشديد، إلا أنه لا يمكنه أن يتخلى عن مصر، ليس فقط لانتمائها إلى العالم السني، بل أيضا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي. لذلك من المستبعد أن ينقطع التواصل والتعامل بين الدولتين. وتشير التحليلات إلى أن ما قام به السيسي هو عبارة عن مناوشات مع الرياض؛ من أجل الحصول على المزيد من الدعم، وضمان نشاط
السياسة الخارجية.
كما أن مواقف مصر والسعودية لطالما كانت متناقضة، سواء فيما يتعلق بالشأن السوري أو اليمني أو الليبي. وبالتالي، فإن العلاقات المصرية السعودية أصبحت تارة مستقرة وطورا متذبذبة.
وأفادت الصحيفة بأنه من الواضح أن التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر وروسيا، والتي نظمت في 17 تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي في مصر، تحت اسم "المدافعين عن الصداقة 2016" تعد جزءا من الاستراتيجية التي يعتمدها السيسي؛ بهدف إعادة كسب الدعم السعودي. فمصر الآن بصدد القيام بلعبة خطيرة، ومن المرجح أن تكون لها عواقب وخيمة؛ نظرا إلى الوضع الجيوسياسي الراهن الذي يعيشه الشرق الأوسط، كما تقول الصحيفة.