في مسعى منهم لاستثمار حقولهم الزراعية، لجأ مزارعون في ريف
حلب الشمالي إلى وسائل جديدية لإزالة
الألغام الفردية "المتطورة" التي خلفها
تنظيم الدولة في أراضيهم، قبل طرده من إجمالي الريف من قبل فصائل الجيش الحر ضمن عملية درع الفرات، حيث استعان بعضهم بقطعان
المواشي المتواجدة بكثرة في المنطقة، لتمشيط الحقول قبل الشروع بحراثتها، تفاديا للأخطار.
ورغم اعتراض البعض على استخدام المواشي كوسيلة لإزالة الألغام، إلا أن كثرة الضحايا من المدنيين، وقلة معدات تفكيك الألغام، والأوضاع الاقتصادية المتردية، كلها عوامل حتمت على المزارعين اللجوء لهذه الطريقة.
يستعد المزارع مصطفى الحسن (63 عاما)، لزراعة حقله بالقمح، وذلك بعد أن نجح مؤخراً في حراثة حقله المتاخم لبلدة تلالين. ويقول لـ"عربي21": "لقد تركت الأرض لعامين متتاليين بوراً، ولولا الأغنام التي تجولت على كامل مساحتها قبل الحراثة، لكنت مضطراً أيضاً لتركها بدون
زراعة للعام الثالث"، وفق قوله
وأشار الحسن في حديثه لـ"عربي21"؛ إلى اشتراط صاحب الأغنام تعويضه عن ثمن النافقة منها في حال تفجّرت الألغام فيها، وبدا مسروراً لأن تمشيط الحقل "مرّ بسلام"، مبيناً أنه "لحسن الحظ كانت الأرض خالية من الألغام".
ويقصد مربو المواشي البدو ريف حلب الشمالي بشكل معتاد، بحثاً عن المراعي لمواشيهم، غير أن غلاء الأعلاف، وقلة منسوب الأمطار المبكرة في مناطق حلب الشرقية والجنوبية، ضاعفت من أعدادهم في الريف الشمالي هذا الموسم، وهذا ما أكدته مصادر محلية.
وتشير المصادر المحلية إلى سعر الكيلوغرام الواحد من الشعير يبلغ 150 ليرة سورية، وسعر كيلو التبن الأبيض 100 ليرة سورية، وهو ما يدفع بمربي المواشي إلى المجازفة بحياة جزء من القطيع، في سبيل تأمين المرعى لكامل القطيع.
وفي هذا الإطار، قال أحد مزارعي القمح لـ"عربي21": "لم أطلب من مربي المواشي أن يرعى أغنامه في حقلي، بل هو طلب من تلقاء نفسه، وذلك بعد أن شاهد كمية الأعشاب الكبيرة في الحقل".
وأكد المزارع نفوق تسع أغنام في الحقل، بسبب انفجار لغم "موجه"، لكنه بيّن أنه مع ذلك لم يكترث صاحب الأغنام، "فهو كما تحدث لي بسبب جوع القطيع الذي يمتلكه والذي يقدر بحوالي 400 رأس غنم، مضطر لذلك".
وفي الوقت الذي استشعر فيه المزارع ذاته خطورة هذه الوسيلة التي وصفها بـ"غير الإنسانية" على الثروة الحيوانية، أوضح أن عدم اهتمام الفصائل العسكرية بالشؤون المدنية، دفع الأهالي إلى استخدام الحيوانات كآلة لتنظيف الألغام، مشيرا إلى أن القوة ليست في تحرير الأرض فقط، لكن القوة تكمن في كيفية إدارتها أيضاً، كما قال.
وعن الأسباب التي تحول دون تمشيط المنطقة بمعدات الألغام من قبل الفصائل العسكرية، قال محمد توفيق، العامل في أحد المراصد العسكرية، إن المساحات الكبيرة المزروعة بالألغام التي كانت تعتبر جبهات سابقة مع التنظيم، أكبر من قدرة الفصائل مجتمعة على تنظيفها بشكل كامل، فأعدادها بالآلاف.
وتابع توفيق في حديث مع "عربي21"؛ بأن وحدات الهندسة تقوم بعملها، غير أن المعارك المتواصلة تحتم عليهم أن يكونوا بالقرب من الجبهات، وفق قوله.