قضايا وآراء

إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم

1300x600
أثناء إحدى زياراتي لتونس، لفت نظري الدور الذي تلعبه الإذاعات هناك في الفضاء الإعلامي. وبالصدفة استمعت لإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم، فوجدتها إذاعة شابة متجددة تتجاوز الخطاب الإعلامي والديني التقليدي الذي يصبغ معظم إذاعات القرآن الكريم في الدول العربية. 

فهي من ناحية تنوع بين المقرئين والقراءات المختلفة للقرآن، ومن ناحية ثانية تتجاوز مشكلة معظم الإذاعات الدينية مع الموسيقى، إذ تبث الموسيقى والأناشيد والمدائح في فواصلها، ما يعطي بثها حيوية ورشاقة. وسعدت عندما عرفت أنها تحتل المرتبة الثانية في سلم الإذاعات لدى المستمع التونسي بنسبة عشرة في المئة من المستمعين موزعين على مناطق جغرافية مختلفة في البلاد. 

وبعد عودتي من تونس، وجدت كثيرا من التطبيقات الهاتفية التي تتيح سماع هذه الإذاعة الواعدة عبر الهاتف والإنترنت. فبدأت الاستماع لها بين الفينة والأخرى، لأجد العديد من البرامج الثقافية الدينية المنوعة والجذابة ما بين الفقه والحديث والسيرة والتاريخ. هذا إلى جانب بعض البرامج التفاعلية مع الجمهور، مثل برنامج يتيح تصحيح أخطاء التلاوة للمستمعين الذين يتصلون ويقرأون بعض الآيات، مع تعليق حول أحكام التجويد ونشرها. وهذه هي المرة الأولى التي أجد فيها إذاعة للقرآن الكريم تخصص برنامجا عن فلسطين، هو ذاكرة فلسطين، تناقش فيه كل القضايا التاريخية والإسلامية والشرعية المرتبطة بفلسطين. 

فوجئت بعد ذلك بأن هذه الإذاعة تثير العديد من العواصف السياسية في البلاد، وهناك اتهامات لها بأنها تنشر التطرف، وحديث عن أهمية ضمها لمؤسسة الإذاعة التونسية الرسمية. ولم أجد فيما قرأت من اتهامات تحليل مضمون للخطاب الذي تقدمه الإذاعة أو مبرر لهذا الهجوم المستمر عليها. 

حكومة الحبيب الصيد السابقة تعهدت مطلع هذا العام بالتزامها بإلحاق الزيتونة بالإذاعة التونسية، ثم في لقاء جمع النقابة الوطنية للصحفيين برئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد قبل أسابيع تحدث ممثلو النقابة عن أهمية عدم خصخصة مثل هذه المؤسسات، وأن تبقى الدولة راعية للخطاب الديني. 

والأمر هنا فيه شقان، أحدهما إداري ومالي، وهذا لا غبار على التدقيق فيه وتسوية الأمور القانونية والتصريحات اللازمة له، ولا أزعم أن لي خبرة فيه ضمن السياق القانوني التونسي الحالي. أما الشق الآخر المتعلق بالأمور المهنية المتعلقة بجهة إعلامية ناجحة، هي إذاعة الزيتونة، ويراد لها أن تلتحق بجهة إعلامية أخرى هي أقل نجاحا بكثير، وهي الإذاعة التونسية، فهو الأمر غير المبرر أو المفهوم. 

كنت أتوقع أن يتم تقديم الدعم لمثل هذه الإذاعات؛ ليصل بثها السمعي إلى أرجاء أخرى من الوطن العربي، ودعم بثها الرقمي للوصول إلى شرائح أكبر في العالم. ففي الوقت الذي تهيمن فيه الفضائيات والفيديو على الفضاء الإعلامي، لا يزال للإعلام المسموع دور كبير، خاصة أن طبيعته تسمح بمتابعته أثناء قيادة السيارات أو السير في الشارع أو أثناء أداء أي عمل، ما يتيح له انتشارا كبيرا. وفي ظل الجدل الكبير حول الخطاب الديني وتجديده والخوف من الخطاب المتشدد والعنف المنفلت، توقعت أن يتم تفعل وإفساح المجال أمام مثل هذه التجارب ودعمها. 

إن حرية الإعلام لا يمكن أن تكون محصورة في إطار جانب دون جانب آخر، والقفز عليها ليس مبرر بأي شكل حين يتعلق الأمر بالدين. فإذا كان لابد من ضوابط، فلتكن ضوابط مهنية تسري على الجميع، وليست انتقائية. هذا بالإضافة إلى أن التراث الديني الزيتوني غني جدا بما يؤهله لتقديم خطاب جديد قادر على جذب شرائح كبيرة من الناس داخل تونس وخارجها. فإن لم يسمع الناس عن أبناء الزيتونة من مثل هذه الإذاعة، فأين يسمعون إذا عن فكر ابن خلدون وتفسير الطاهر بن عاشور ودور محمد عبد العزيز جعيط؟