نشر موقع "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا، يبحث فيه عما إذا كان ترحيب اليمين الإسرائيلي المتطرف بفوز ترامب مبررا، أم أنه تعجل في الترحيب بفوز رجل غامض، لا أحد يعرف ما هو الاتجاه الذي ستأخذه سياسته الخارجية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بمجرد الإعلان عن فوز دونالد
ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فإن وزير التعليم
الإسرائيلي، وزعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف نفتالي بينيت، بدأ بالتغريد على "تويتر".
ويورد الموقع أن بينيت كتب: "إن فوز ترامب فرصة كبيرة لإسرائيل لتعلن بأسرع ما يمكن بأنها تراجعت عن فكرة الدولة الفلسطينية، وببساطة ووضوح فإن مرحلة دولة فلسطينية قد انتهت".
ويلفت التقرير إلى أنه في اليوم التالي، أجرت إذاعة الجيش الإسرائيلي مقابلة مع مستشار ترامب للشؤون الإسرائيلية، المحامي جاسون غرينبلات، التي بدت بأنها تبرر تفاؤل بينيت، حيث قال غرينبلات إن "ترامب لا ينظر إلى المستوطنات بصفتها عقبة أمام السلام"، وأضاف أن الرئيس المنتخب لا ينوي فرض شروط على اتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وينقل الموقع عن الوزير الليكودي أوفير أكونيس، قوله: "هذا يوم يجب أن يكون فيه كل إسرائيلي سعيدا"، وذلك تعليقا على ما جاء في مقابلة غرينبلات، فيما كتب عضو الكنيست الليكودي أيوب قارا على صفحته على "فيسبوك"، في وخزة موجهة لسياسة أوباما الخارجية: "وأخيرا، هناك قائد جديد للعالم الحر، وليس لعالم السذج".
ويعلق التقرير قائلا: "باختصار كانت الحفاوة بفوز ترامب في أوساط
اليمين الإسرائيلي لا تقل عن وصفها بالفرح العارم، حيث قال كاتب العمود في (المونيتور إسرائيل بلص) شلومي إلدار: (اليمين مقتنع بأن أي شيء ممكن الآن.. يمكن محو حل الدولتين، ولن تكون هناك مشكلة في بناء المستوطنات، لقد جاء المسيح.. إن التهاني بفوز ترامب تذهب أبعد من مجرد إبداء المشاعر الطيبة تجاه رئيس منتخب.. بل إن هناك شعورا هنا بأننا حققنا ما نريد، وأن السماء هي الحد)".
صفقة ترامب النهائية
ويستدرك الموقع بأنه "كما هو معروف، فإن هناك غموضا فيما يمكن أن يفعله ترامب، فبعد أن فاز في الانتخابات، قال لـ(وول ستريت جورنال) إنه يرغب في صياغة (الصفقة النهائية) بين الإسرائيليين والفلسطينيين (لأجل الإنسانية)".
وينقل التقرير عن عضو الكنيست ميراف ميخائيلي من حزب العمال الليبراليين، قولها: "يصعب علي أن أصدق أن الصفقة النهائية بالنسبة لترامب لا تتضمن حل الدولتين.. بالتأكيد لا أحد يعرف ما ستكون أجندة ترامب، ولكن ما دمنا نتعامل مع بنيامين
نتنياهو ومحمود عباس، فإنه يصعب تخيل تقدم أي مفاوضات بوجود ترامب أو عدمه، لكن تبقى الحقيقة هي أننا لا نعلم"، وتضيف ميخائيلي أن ردة فعل اليمين الإسرائيلي "تكاد تقترب من التمنيات، وتكشف عن اللامسؤولية الطفوليةـ التي تشكل قلب الأجندة اليمينيةـ دون أي اعتبار للمصالح الإسرائيلية العليا، فإن قلت إننا انتهينا من حل الدولتين فعليك أن تقدم بديلا، ونحن نسأل للمرة المليون: ما هو الحل الأفضل لديكم؟".
وينوه الموقع أن عومر بارليف، وهو عضو كنيست عمالي آخر، يعتقد أيضا أن الفرحة سابقة لأوانها، ويقول إنه "بالنسبة لأمريكا، فإنه من الأفضل إن بقي الشرق الأوسط هادئا -إذا توصلنا مع الفلسطينيين إلى تفاهم ما.. ولا أظن ترامب يريد أن يرى المنطقة تنفجر، وأي نهاية شبيهة بالصفقات التجارية للصراع (مفاوضات منطقية يستفيد منها الجميع) هي أسوأ كابوس بالنسبة للمتطرفين في الجانب الإسرائيلي والفلسطيني".
ويستدرك التقرير بأن بارليف يحذر من ميل اليسار الإسرائيلي "للتمني بأن تقوم أمريكا بإنقاذنا من أنفسنا، وتكرهنا على الجلوس مع الفلسطينيين وإنهاء المسألة، فهذا ليس واقعيا، فالأمريكيون يؤمنون بحق إسرائيل في في تقرير مستقبلها".
تحقيق التوازن
ويذكر الموقع أن الأهم من هذا هو أن نتنياهو نفسه حاول أن يخفف من حماس اليمين الإسرائيلي، مشيرا إلى أن نتنياهو، الذي اتهم بتدخله في السياسة الأمريكية، بعد دعمه العلني للمرشح ميت رومني في انتخابات عام 2012، وخلال خطابه في الكونغرس بعد ذلك بثلاث سنوات، كان حذرا جدا هذه المرة من الظهور بمظهر حزبي.
ويفيد التقرير بأن نتنياهو حث وزراءه بعد الانتخابات على السماح للحكومتين بالتواصل، عبر "القنوات السرية العادية، وليس من خلال المقابلات والتصريحات"، وقال وزير دفاعه المتشدد، أفيغدور ليبرمان: "آمل أن يكون لدينا من التعقل ما يكفي للتوقف عن الابتهاج المعلن، الذي هو ضار بالتأكيد"، وألمح إلى أن شروط البناء في الضفة الغربية لن تتغير كثيرا.
ويذكر الموقع أن الأسبوع الماضي أظهر كيف أن نتنياهو عالق بين وزارة الخارجية الأمريكية وائتلافه اليميني المتطرف، حيث أعطى الكنيست موافقة مبدأية على مسودة قانون، قدمها حزب الليكود، يقنن بأثر رجعي بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية الخاصة، وتم تصميم القانون بشكل خاص لمنع هدم مستوطنة صغيرة غير قانونية في الضفة الغربية، لافتا إلى أنه تم إصدار قرار من المحكة العليا بإخلائها.
وبحسب التقرير، فإن متحدثا باسم الخارجية الأمريكية شجب مسودة القانون، قائلا إنها تمثل "خطوة إشكالية غير مسبوقة، لا تتماشى مع الرأي القانوني الإسرائيلي السابق"، مشيرا إلى أنه بحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن نتنياهو كان معارضا للمسودة، ودعا إلى دعم قرار المحكمة، لكن بعد مهاجمة وزرائه له استسلم وأيدها.
ماذا يريد نتنياهو؟
ويتساءل الموقع قائلا: "إذن، ماذا لو أن اليمين الإسرائيلي وجد، في ترامب، الرئيس الذي لا يتدخل كما يريد؟، فبحسب الزميل في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز ناثان ساكس، فإن هذا سيضع نتنياهو في مأزق جديد.
ويقول ساكس: "قام نتنياهو إلى الآن بلعب لعبة على مستويين: لوم أوباما عندما يتحدث عن بناء المستوطنات مع المستوطنين، ولوم المستوطنين عند الحديث مع الأمريكيين حول المفاوضات السلمية المعطلة"، ويضيف: "لست متأكدا أن نتنياهو نفسه لديه رغبة بتوسيع المستوطنات دون قيود، بالإضافة إلى أنه، ودون ضغط دولي، بإلقاء اللائمة عليه، يصبح مضطرا لأن يجيب على الأسئلة الآتية: ماذا يريد فعلا؟ ما حله للصراع؟ والآن هو لا يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة طويلة الأمد".
ويبين التقرير أنه رغم أن نتنياهو أيد حل الدولتين عام 2009 -تحت ضغط من أمريكا- إلا أنه لم يفعل الكثير للتوصل إليه منذ ذلك الحين، وتخلت إدارة أوباما منذ فترة عن محاولة إحياء المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في وقت يستمر فيه الإسرائيليون بإقامة "الحقائق على الأرض" في الضفة الغربية.
ويستدرك الموقع بأنه "رغم أنه من المبكر معرفة ماذا سيفعل ترامب لدى تسلمه الرئاسة، وعما إذا كان فرح بينيت سابقا لأوانه أم لا، إلا أنه من الصعب أن نتخيل أن ترامب سيكون الشخص الذي يستثمر الطاقة لإحياء حل الدولتين".
العداء لأوباما
ويشير التقرير إلى أن ما دعم ابتهاج اليمين الإسرائيلي بفوز ترامب هو تصريحاته خلال الحملة، بما في ذلك خطاب ألقاه في لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" في شهر آذار/ مارس، وعد خلاله بإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران، واستخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار لمجلس الأمن يدعم دولة فلسطينية.
ويورد الموقع نقلا عن عضو الكنيست يهودا غليك، قوله: "هناك شعور بأن ترامب نفسه ومن حوله ملتزمون تجاه إسرائيل، وليس فقط على مستوى المصالح الأمريكية، لكنهم محبون وداعمون بشكل كبير لإسرائيل"، مشيرا إلى نائب الرئيس المنتخب مايك بنس، الذي تعد قاعدته الإنجيلية داعمة قوية لليمين الإسرائيلي.
ويذهب التقرير إلى أن عداء اليمين الإسرائيلي تجاه أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون يغذي الحماسة لترامب جزئيا، حيث وصلت المساعدات لإسرائيل في عهد أوباما إلى مستوى جديد، حوالي 3.8 مليار دولار في العام، مستدركا بأن أوباما وكلينتون كثيرا ما احتجا على المستوطنات، بالإضافة إلى أن العلاقة بين أوباما ونتنياهو سادها التوتر، الذي وصل إلى الخلاف العلني بخصوص الصفقة النووية مع إيران.
ويلفت الموقع إلى أن غليك من الليكود يعترف بأن طلب اليمين الإسرائيلي من أي رئيس أمريكي هو: دعنا نفعل ما نريد، ولا تكرهنا على شيء لا نريده، مشيرا إلى أن ترامب، الذي أبدى ميولا انعزالية، قد يمنحهم رغبتهم.
ويختم "كريستيان ساينس مونيتور" بالإشارة إلى قول ساكس: "يبدو أن ترامب يميل إلى المعاملات في مسألة السياسة الخارجية، مختلفا تماما عن أوباما، الذي يرى بأن لأمريكا دورا في نظام عالمي توجهه قيم الديمقراطية والعدالة، لكن ترامب غير متأكد من أن على أمريكا أداء دور الشرطي العالمي، ولذلك قد لا يكون مهتما بحقوق الفلسطينيين".