دفع الانخفاض المتواصل في سعر
الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية؛ كثيرا من المصريين إلى اللجوء للتعامل بالدولار في أنشطتهم التجارية المختلفة، مع تزايد فقدانهم الثقة في العملة المحلية.
وانتشرت ظاهرة التعامل بالدولار بشكل أكبر في مجال بيع العقارات في الأحياء الراقية والمنتجعات السياحية والسيارات الفارهة؛ وغيرها من السلع والخدمات التي يتعامل فيها الأثرياء.
وتعرّض الجنيه المصري خلال السنوات الثلاث الماضية؛ لتدهور هائل في قيمته حيث انخفض من سبعة جنيهات مقابل
الدولار الواحد في بداية انقلاب تموز/ يوليو 2013، ليصل إلى نحو 18 جنيها للدولار الثلاثاء، بسبب توقف إيرادات السياحة والاسثمارات الأجنبية انخفاض تحويلات المصريين من الخارج وإيرادات قناة السويس، وهي المصادر الأربعة الرئيسية للعملة الأجنبية.
"ظاهرة خطيرة"
وحذر خبراء من أن تزايد الاعتماد على التعامل بالدولار بين المواطنين المصريين سيسبب ضغطا كبيرا على العملة المحلية ويرفع من سعر الدولار بشكل حاد، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع كافة السلع والخدمات في البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس؛ إن ظاهرة تعامل المصريين بالدولار في البيع والشراء بدلا من الجنيه هي حتى الآن تتم بنسبة كبيرة كوسيلة للتسعير وليس وسيلة للتداول، "فحتى الآن لم نتجه في مصر إلى أن يصبح الدولار هو العملة الرسمية للتداول، إنما يتفق التجار على تحديد السعر للمشتري مقابل مبلغ معين بالدولار سواء زاد سعر العملة الأمريكية أو انخفض مقابل الجنيه".
وأوضح النحاس، في حديث خاص لـ"
عربي21" أن السبب وراء تزايد هذه الظاهرة في مصر هو تزايد أسعار جميع السلع تقريبا بشكل شبه يومي وعدم استقراراها إطلاقا، مضيفا أنه "كان من المفترض، قبل اتخاذ الحكومة قرارها بتعويم الجنيه، أن يكون هناك تثبيتا للأسعار حتى تؤتي هذه الخطوة الاستراتيجية ثمارها بدلا من تذبذب الأسعار بهذا الشكل الكبير"، على حد قوله.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي مدحت نافع؛ إنه يجب على الحكومة التدخل بقوة لمنع أي تعامل بالعملة الصعبة في بيع أو شراء السلع والخدمات داخل الدولة، واقتصار التعامل فقط على العملة الرسمية في الدفع والتسعير.
وأضاف نافع لـ"
عربي21؛ أن "هناك العديد من الأنشطة التي أصبحت تتعامل بالدولار في تسعير خدماتها، مثل المدارس الأجنبية"، مطالبا البنك المركزي بفرض رقابة صارمة لمنع الدفع بالدولار داخل مصر، وكذلك منع التسعير بالعملة الأجنبية.
وحذر الخبير الاقتصادي من أنه في حال استمرار التعامل بالعملة الصعبة في مصر؛ "فسوف يؤثر ذلك بشكل خطير على الاقتصاد الوطني ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، وإذا كنت تبيع أي عقارات أو سلع في مصر فيجب أن يتم التعامل فقط بالجنيه وليس الدولار"، كما قال.
مؤسسات حكومية تتعامل بالدولار
وكان البنك المركزي قد أصدر قرارا في شباط/ فبراير الماضي بحظر استخدام الدولار في المعاملات التجارية؛ شراء وبيعا في مجال السلع والخدمات داخل مصر، على أن يكون التعامل بالجنيه المصري فقط، سواء من خلال التعامل المباشر أو باستخدام ماكينات الدفع الآلي أو البطاقات الائتمانية.
وذكر البنك المركزي، في بيان، أنه اتخذ هذا القرار بسبب قيام بعض التجار بإجراء عمليات البيع بالدولار وليس بالجنيه، رغم أنهم يتعاملون لاحقا مع البنوك المحلية وبالعملة المصرية.
وعلى الرغم من هذا القرار الحكومي، إلا عددا من المؤسسات الحكومية لجأت هي الأخرى إلى تسعير منتجاتها بالدولار، من بينها شركة مصر للطيران المملوكة للحكومة؛ التي قررت تسعير تذاكرها بالدولار، للتقليل من خسائرها الناجمة عن تراجع قيمة العملة المحلية.
"أصبح متقبلا"
وكانت الحكومة المصرية قد قررت في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري تحرير سعر الصرف بشكل كامل، وترك تسعير الجنيه لآليات العرض والطلب، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي للموافقة على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار. وبعد أن ارتفع سعر الجنيه إلى نحو 13 جنيها مقابل الدولار، عاد للانخفاض تدريجيا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إلى أن وصل إلى 18 جنيها في نهاية تعاملات أمس الثلاثاء.
وقال حمدي سعيد، صاحب شركة لتجارة مولدات الكهرباء، إن الزيادة المتواصلة في سعر الدولار أدى بدوره إلى زيادة أسعار البضائع المستوردة من الخارج، لكن المشكلة أن التجار أصبحوا غير قادرين على تسعير السلع التي يبيعونها؛ لأن الأسعار ترتفع بشكل شبه يومي، كما قال.
وأضاف السعيد لـ"
عربي21" أن شركته قررت مؤخرا اللجوء لتسعير منتجاتها بالدولار حتى تخرج من هذا المأزق، مشيرا إلى أن الأمر في بدايته لاقى استغرابا من عملائه، لكن مع مرور الوقت أصبح الأمر متقبلا؛ بعد تزايد الشركات التي اتبعت ذات الطريقة في التسعير.