منذ أن أعلن مجلس النواب العراقي قانون "هيئة الحشد الشعبي"، توجهت الأنظار إلى ردود أفعال النواب السُنة في العراق، وكان القرار عراقيا فقط، بينما القرار يستهدف الدول العربية والخليجية والإسلامية بالخطورة ذاتها وأكثر منها، فالقرار هو استثمار واستمرار لمكاسب الاحتلال الأمريكي للعراق منذ عام 2003، فاحتلال بزعامة بريمر هو الذي أسس للتركيبة السياسية والاجتماعية والطائفية والقومية المختلة في العراق، وقد فعل الأمريكيون ذلك كسداد دين لما قدمته لها المليشيات الشيعية العراقية في احتلال العراق، وبالتالي كانت كتائب الحشد صاحب فضل على أمريكا، ولها مصالح وتقاسم نفوذ مع أمريكا منذ ذلك الوقت، أي أن سياسة الخلل الذي فرضته أمريكا على العراق هي في النظام السياسي أولا، وهذا الخلل يخدم في الوقت نفسه السياسة الإيرانية في العراق أيضا.
ومنذ أن أعلنت أمريكا عن اضطراها الانسحاب من العراق عام 2009 بدأت إيران تعد العدة لإحلال قوات موالية لها مكانها، وهو ما تم التفاهم عليه مع أمريكا، التي دخلت في تحالف معها للحفاظ على منجزات حرب احتلال العراق، وعدم عودة الأمور إلى مجرياتها كالسابق، فأمريكا سعت مثل إيران لإبعاد السُنة عن الحكم، ولم يسمح النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي تمكين السُنة في المناصب السياسية، ومن باب أولى في المناصب العسكرية، ولا في الوزارات السيادية، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فقد كانت حصة الشيعة في الجيش العراقي الذي أشرفت أمريكا على تأسيسه 60% للشيعة و20% للسنة و0 % للأكراد و10% لباقي المواطنين العراقيين من الإثنيات الأخرى.
وعندما جاء تأسيس الحشد الشعبي بفتوى من السيستاني كان بعد إعلان داعش تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام بتاريخ 10 يونيو 2014 بأيام فقط، وأعلن حينها بأن هذا الحشد الشعبي سوف يتم حله بعد القضاء على داعش فورا، رغم كونه مخالفا للدستور العراقي، وكانت الاعتراضات على تأسيس الحشد الشعبي أن نواته الأصلية هي المليشيات الشيعية، مثل حركة بدر وغيرها من المليشيات التي تعلن عن هويتها الطائفية صراحة، وأنها تابعة في تسليحها وتدريبها وتمويلها من الحرس الثوري الإيراني، ولكن وبعد جمعها في الحشد الشعبي تم التحايل على نواب البرلمان العراقي بتخصيص تمويل لها في مرحلة محاربتها لداعش، وقد أقر البرلمان العراقي ذلك بما فيهم نواب السُنة، وهذه كانت الخطوة الأولى التي مرر فيها النواب السنة مشروعية الحشد الشعبي في حينه.
ومع اقتراب السيطرة على الموصل أو تدميرها وزوال حكم داعش عنها، توجهت إيران لشرعنة الحشد الشعبي في العراق على طريقة شرعنة الحرس الثوري في إيران، فالحرس الثوري الإيراني يتبع رئاسة هيئة الأركان اللواء محمد باقري، كثاني مكون للقوات المسلحة الإيرانية بعد الجيش وقوات التعبئة الباسيج، فالخطوة العراقية هي خطوة إيرانية، ليس في الشكل فقط، وإنما في المضمون أيضا، بحيث يصبح الحشد الشعبي في العراق هو الحرس الثوري في إيران، يسيطر على القرار العسكري أولا، ومراقبة أداء الحكومة والوزراء وحتى الميزانية العسكرية والمدنية، أي أن شرعنة الحشد الشعبي في العراق هو تسليم مقاليد الأمور في العراق للحرس الثوري الإيراني أولا، ولكن باسم عراقي هو الحشد الشعبي.
هذه الخطوة أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي قلقه منها، ولكنه يعلم أن بلاده لا تستطيع منعها؛ لأن مكتسبات أمريكا من إسقاط نظام الحكم العراقي السابق هي بيد الحرس الثوري الإيراني، وقد أعلن جنرالات أمريكيون مرارا أنهم لا يستطيعون منع الحشد الشعبي من القتال لاحتلال المدن العربية السنية، مثل الفلوجة والأنبار وتكريت وغيرها، وكما هو حاصل الآن في الموصل؛ بحجة أن تعداد قوات الحشد الشعبي تجاوزت قدرات الجيش العراقي نفسه، وبالتالي فإن الخطر لا يتوقف على العراقيين، وإنما يتعداه لما تخطط له إيران في المنطقة والعالم، فمستشار خامنئي الجنرال رحيم صفوي يقول: "إن العالم سوف يشهد في هذا القرن ولادة حكومة إسلامية عالمية عاصمتها إيران"، وكذلك ما أعلنه رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري بأن "إيران تخطط لبناء قواعد عسكرية بحرية لها في اليمن وسوريا"، فهل تدرك الدول العربية والخليجية والإسلامية خطورة هذه الخطوة؟.