كشف الإرهاب الدموي عن وجهه القبيح مساء السبت الماضي مرة أخرى في منطقة بشيكطاش بمدينة إسطنبول التركية ليوقع عشرات القتلى والجرحى في تفجير استهدف رجال الشرطة الذين كانوا يقومون بمهمة حماية المشجعين بعد مباراة كرة القدم بين فريق بشيكطاش وفريق بورصا سبور. وتبنت العملية التي أسفرت عن مقتل 36 شرطيا و8 مدنيين، منظمة صقور حرية كردستان التابعة لحزب العمال الكردستاني.
وبعد العملية الإرهابية، بدأت التعازي تتوالى من قادة دول العالم وحكوماته بما فيها الدول الأوروبية. وفي اتصال هاتفي، قدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعازيها إلى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، وأدانت العملية الإرهابية التي ضربت مدينة إسطنبول، وأعربت عن تضامن ألمانيا مع تركيا.
التصريحات التي يطلقها قادة الدول الأوروبية للتعبير عن "حزنهم العميق" و"تضامنهم مع الشعب التركي" لا معنى لها ولا قيمة لدى الشعب التركي، لأنها تصريحات جوفاء بعيدة عن المصداقية تهدف إلى ذر الرماد في العيون، وتتكرر بعد كل عملية إرهابية كبيرة تستهدف أمن تركيا واستقرارها. ويصدق فيهم المثل القائل: "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". ولذلك، لقي أعضاء البعثات الدبلوماسية الأوروبية احتجاجا شعبيا خلال زيارتهم لمكان التفجير بإسطنبول لوضع الأكاليل، وهتف بعض المواطنين الأتراك: "القتلة هنا"، في إشارة إلى الدبلوماسيين الأوروبيين.
ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى هي الداعم الأكبر لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية التي قامت بالتفجير الإرهابي الأخير في إسطنبول لتقتل وتصيب عشرات من رجال الشرطة والمدنيين، لأن المنظمة الإرهابية تنشط في المدن الأوروبية بكل حرية، وتجمع تبرعات، وتنظم معسكرات تدريب، وتقوم بفعاليات سياسية وإعلامية ودعائية. بالإضافة إلى ذلك، تتلقى دعما ماليا ولوجستيا وأسلحة مختلفة من أجهزة استخبارات غربية ويقاتل في صفوفه رجال تلك الأجهزة تحت مسمى "المتطوعين لقتال تنظيم داعش"، ويقومون بتدريب عناصر المنظمة الإرهابية على استخدام الأسلحة المتطورة التي تقدمها دولهم إلى الإرهابيين.
حزب العمال الكردستاني مصنف في الولايات المتحدة والدول الأوروبية كمنظمة إرهابية، إلا أن هذا التصنيف مجرد حبر على الورق. وتشير التقارير الاستخباراتية التركية إلى حصول المنظمة الإرهابية سنويا 30 مليار يورو كتبرعات وريع أنشطة مختلفة، ولا يدخل في هذا المبلغ ما تتلقاه من الجرائم المنظمة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات. ويتم كل ذلك تحت سمع أجهزة الاستخبارات الأوروبية وبصرها، لأن الدول الأوروبية تتجاهل تحذيرات أنقرة، وتتعامل مع الجمعيات والمؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني كأنها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية.
وفقا لإحصائيات وزارة العدل التركية، طلبت أنقرة من برلين ما بين عامي 2006 و2016 تسليم 136 إرهابيا ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني، إلا أن الأخيرة لم تقبل غير تسليم 3 إرهابيين فقط، كما طلبت من 20 دولة أوروبية أخرى ما بين عامي 2007 و2016 تسليم 263 إرهابيا، ولم تقبل تلك الدول إلا تسليم 8 إرهابيين.
جميع الدلائل والمؤشرات والأرقام والإحصائيات تشير إلى احتضان ألمانيا لحزب العمال الكردستاني، وتؤكد التقارير أن أكثر من 14 ألف عضو للمنظمة الإرهابية يقيمون في ألمانيا، وأن المنظمة الإرهابية جمعت في ألمانيا خلال عام 2015 حوالي 13 مليون يورو. ولو كانت الحكومة الألمانية والحكومات الأوروبية الأخرى تكافح حزب العمال الكردستاني كما تكافح تنظيم داعش فهل كانت المنظمة الإرهابية تستطيع أن تؤسس شبكة واسعة تنشط على طول القارة وعرضها بكل حرية؟
منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تنشط في دول مختلفة بالمنطقة تحت مسميات عديدة. ويتلقى ذراعها في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته المسماة وحدات حماية الشعب الكردية، جميع أنواع الدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية تحت ذريعة القتال ضد تنظيم داعش. والأسلحة والمتفجرات التي ترسلها واشنطن وعواصم أوروبية، على رأسها برلين، إلى ذراع المنظمة الإرهابية في سوريا، يتم نقل جزء منها إلى الأراضي التركية، لتستخدم ضد قوات الأمن التركية، كما يتم تدريب عناصر حزب العمال الكردستاني على حرب الشوارع والعمليات الانتحارية، في معسكرات تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية بإشراف مستشارين عسكريين أمريكيين وأوروبيين، لإرسالهم إلى المدن التركية.
أردوغان، في تعليقه على العملية الإرهابية الأخيرة، لفت إلى أن تركيا لم يبق لديها أي سبب يجعلها تنتظر من الدول التي اختارت دعم المنظمات الإرهابية بدلا من الوقوف إلى جانب الشعب التركي، أن تغير موقفها الداعم للإرهابيين، ما يعني أن القيادة التركية أيضا لا تبالي بتصريحات القادة الأوروبيين المنددة بعملية بشيكطاش الإرهابية وتراها تفتقر إلى المصداقية.
* كاتب تركي