تمكنت إيران وميليشياتها الطائفية وبدعم من الطيران الروسي من تحقيق تقدم آخر في سوريا عبر احتلال الجزء الأكبر من حلب، ومن قبلها تمكنت بتفاهم مع الولايات المتحدة من حكم العراق وتسعى الآن للسيطرة على الموصل لتكمل بذلك سيطرتها على سوريا والعراق ولبنان.
يأتي ذلك ضمن سعي إيراني لإيجاد ما يسمى بالهلال الشيعي الممتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان، في ظل ضعف وعجز عربي واضح عن وضع حد لهذا المشروع التوسعي الذي رافقه حركة تهجير كبيرة في الموصل وحلب وقبلها حمص وغيرها لضمان نقاء هذه المنطقة وتحويلها إلى منطقة نفوذ شيعي كما فعلت طهران من قبل في الضاحية الجنوبية ببيروت.
ضوء أخضر أميركي ويمكن القول أنه لولا الضوء الأخضر الأميركي خصوصا بعد توقيع إيران للاتفاق النووي، ولولا التدخل الروسي المباشر لما تمكنت الميليشيات الطائفية التي تأتمر بإمرة قائد فيلق القدس قاسم سليماني من تحقيق إي إنجاز في سوريا. ومن قبل توافقت مصالح واشنطن مع طهران في إطلاق يد الأخيرة في العراق بعد أن تمكن السنة من إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة ودفعها للانسحاب من العراق.
تسعى إيران اليوم لاستكمال مشروعها الطائفي في المنطقة في ظل غياب وتشرذم عربي مدوي عجز حتى عن إمداد المعارضة بالسلاح النوعي القادر على مواجهة الأسلحة الروسية الفتاكة وتدفق الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان ولبنان لحماية النظام السوري.
من جانبها قايضت تركيا ما بعد فشل الانقلاب حلب بالشمال السوري لحفظ مصالحها وأمنها، بل ودفعت بالآلاف من الجيش السوري الحر لمساندتها في حملتها لطرد الأكراد وداعش من حدودها وصولا لمدينة الباب، الأمر الذي استغلته روسيا والنظام لشن هجوم قاتل على حلب وإخضاعها بعد أربع سنوات من سيطرة المعارضة عليها.
حتى أميركا التي دربت عناصر موالية لها في المعارضة السورية تخلت عنهم وتركتهم فريسة للنظام السوري وميليشياته في ظل موقف متراخي للرئيس الجديد دونالد ترامب من روسيا في الملف السوري، حيث لجأت روسيا لمواجهة الغرب في سوريا انتقاما منه لما فعله بأوكرانيا والحصار الاقتصادي الذي يفرضه على موسكو.
انتصار ميداني ولكن ..
تظن إيران أنه في هذه الفترة السانحة تستطيع فرض أجندتها الطائفية، ولتكريس ذلك ارتكبت العديد من المجازر بحق العراقيين والسوريين وأدت إلى تشريد مئات الآلاف من منازلهم وحاولت إحلال الشيعة مكانهم في بغداد وكما تفعل الآن في الموصل وكما فعلت في القصير وتفعل الآن في حلب.
حققت إيران انتصارات ميدانية ولكنها فتحت على نفسها وطائفتها أبواب الجحيم، فمن ناحية سياسية فإن الضوء الأخضر الأميركي سيتحول إلى أحمر قريبا لأن واشنطن لا تريد لطائفة أن تتفوق كثيرا على طائفة أخرى في المنطقة حتى تتمكن من فرض أجندتها وحماية الكيان الصهيوني من أي تهديد.
ولن تسمح واشنطن لإيران بتجاوز الخط المرسوم لها وستستمر في الضغط عليها بخصوص النووي.
كما أن الدعم الروسي قد يتوقف فجأة بعد تحقيق بعض الإنجازات لمقايضتها مع الغرب بتخفيف الحصار عن روسيا، وفي هذا الإطار قد تتخلى روسيا عن الأسد ولا تستمر بالتالي طائفته (المدعومة إيرانيا) من السيطرة على البلاد لوحدها.
ومن ناحية واقعية فإن القتل والتشريد لا يولد إلا ردود فعل عنيفة، وسيعزز رغبة العرب عموما في الانتقام من إيران، وربما يدفع إلى انبثاق حركات عنف جديدة حتى لو تم تدمير داعش.
فعلى المدى القريب ستواصل إيران التقدم في المنطقة، أما على المديين المتوسط والبعيد ستدفع إيران ثمن مجازرها بحق الأغلبية السنية، وأول من سينالهم الغضب السني هم الأقلية الشيعية في كل من العراق وسوريا. أضف إلى ذلك فإن اندحار الثوار عن رقعة جغرافية معينة لا يعني أنهم هزموا، فلا يزال عدد من المناطق السورية تحت قبضتهم بما فيها مناطق متاخمة لدمشق، وهذه سيكون لها دور قادم في التصدي للنظام السوري وإيران وميليشياتها. وقد تنطلق حرب عصابات جديدة في كل من العراق وسوريا ستذيق الإيرانيين الويلات وستعظم خسائرهم في المنطقة.
العنف لا يولد إلا العنف
خلاصة القول إن المعركة في سوريا لا زالت في بدايتها، وإن الطائفة الشيعية في الأمة هم فئة قليلة ولن يتمكنوا بمساعدة إيران من السيطرة على المنطقة، وسيكونون أول من سيتلقى الضربات وردود الفعل الغاضبة.
وفي هذا السياق، نستعير أول ردة فعل إيرانية على ما جرى في حلب، إذ قال المدير السابق لشؤون آسيا الغربية في وزارة الخارجية الإيرانية، مير محمود موسوي، إن "نجاح العمليات العسكرية في حلب، إنما هي فرحة ليلتين فقط، بعدهما يجب علينا أن نقلق للثلاثين عاما القادمة". مشيرا إلى أن "مقتل 300 ألف شخص وتهجير ونزوح 12 مليون آخرين (في سوريا)، لا يولد إلا الكراهية والعنف".
وقال إن "10 ملايين عائلة ستعيش الكراهية والبغضاء"، ونضيف هنا أن هذه العائلات ستعيش على وقع الانتقام الذي يجب أن يتحضر له الإيرانيون جيدا.