مع اختيار أكثر من 20 مرشحا حتى الآن لفريقه الحكومي، تبدو حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تشبه إلى حد كبير ترامب نفسه، فمعظمهم من كبار السن والذكور أصحاب البشرة البيضاء، والكثير منهم أثرياء يرون أنفسهم مجازفين وصانعي صفقات، ويفضلون العمل أكثر من المداولات والتشاور.
وإلى حد كبير، استبعد ترامب، الذي يقول إن واشنطن "محطمة" وتسيطر عليها مصالح خاصة، التكنوقراط الذين يتمتعون بخبرة حكومية طويلة، واختار بدلا منهم فريقا من أقطاب الأعمال والجنرالات.
وتفتقر قائمة ترامب ممن اختارهم من رؤساء الوكالات والمستشارين بشكل واضح إلى وجود مثقفين ومحامين وأكاديميين من النوع الذي استعان به بعض الرؤساء السابقين، وحل محلهم أقطاب المال والأعمال، مثل إكسون موبيل وجولدمان ساكس، إضافة إلى ثلاثة جنرالات متقاعدين على الأقل في مناصب رئيسية.
والكثير من هؤلاء أشخاص اعتادوا على القيادة، ولكن سيكون لهم الآن رئيس يأتمرون بأمره، وهو ترامب، في الوقت الذي يتحتم عليهم التعامل مع بيروقراطية الحكومة الأمريكية المتشعبة والمحبطة أحيانا.
وتستعد إدارة ترامب القادمة للتراجع بأسرع ما يمكن عن إنجازات الرئيس باراك أوباما، بينما ستحاول أيضا التقدم في أجندة سياسية محافظة في مجالات مثل الضرائب والرعاية الصحية.
وتوقع مسؤول أمريكي كبير سابق حدوث خلافات على نطاق واسع في إدارة ترامب؛ بسبب الإحساس الزائد بالذات من جانب كثير من مسؤولي هذه الإدارة.. مشيرا إلى معرفته بريكس تيلرسون الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، الذي اختاره ترامب لتولي منصب وزير الخارجية، وأيضا معرفته بجيمس ماتيس الجنرال بمشاة البحرية الأمريكية، الذي رشحه ترامب لمنصب وزير الدفاع.
وقال المسؤول السابق إن تيلرسون وماتيس "اعتادا على الهيمنة على أي مكان يجدان نفسيهما فيه، وسيشمل هذا على الأرجح غرفة العمليات في البيت الأبيض وحتى المكتب البيضاوي".
ويقول فريق ترامب الانتقالي إن الهدف هو أن تكون الإدارة الجديدة عبارة عن خليط من الشخصيات الجديدة وأصحاب الخبرات في واشنطن. لكن الخبراء يقولون إن الرؤساء السابقين الذين استعانوا بشخصيات من خارج "المؤسسة" رأوا في بعض الأحيان أن المبتدئين في السياسة ارتكبوا أخطاء فادحة.
ومن بين 21 شخصا اختارهم ترامب حتى الآن لفريقه الحكومي ومستشاريه يوجد 16 من الرجال البيض. ويوجد أربع نساء لا تشغل أي منهن ما يمكن أن يعتبر منصبا كبيرا في أي من الوكالات. ولا يوجد أي أمريكي من أصل أفريقي، ولا أمريكي من أصل أسيوي، ولا أمريكي من أصل هندي. ولا تشمل الاختيارات أحدا من أصول لاتينية.
ومثل قطب العقارات الذي اختارهم، فإن العديد منهم لا يمتلك أي خبرات حكومية، بل أن الآخرين يناصبون الوكالات التي سيرأسونها العداء إذا صدق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيينهم أوائل العام القادم.
وقال جوليان زيليزر، المؤرخ الرئاسي بجامعة برنستون، إن ترامب يشكل حكومة على شاكلته.. يتحدثون بصراحة، وبحدة، ولديهم خبرات عملية.
وقال زيليزر: "أنْ تحيط نفسك بالعسكريين ورجال المال يبعث برسالة معينة.. نوع معين من صانعي الصفقات الذين يتمتعون بالشراسة والحسم، وهو ما يتصور (ترامب) نفسه أن يكون".
واعتمد أوباما الذي يترك منصبه في كانون الثاني/ يناير على ذوي الخبرة لتشكيل حكومته في 2008.
واختار هيلاري كلينتون منافسته في الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي آنذاك وزيرة للخارجية. وظل روبرت جيتس الذي عمل في الإدارة السابقة في وزارة الدفاع (البنتاجون). واختار أوباما إريك هولدر صاحب الخبرة الطويلة في وزارة العدل لشغل منصب وزير العدل.
وخلصت مراجعة أجرتها رويترز، في وقت سابق هذا الشهر، إلى أن بعض الذين اختارهم ترامب لفريقه يمتلكون خبرات مماثلة، وأنه استعان بأصحاب خبرات حكومية في المستويات الأدنى من الإدارة بمختلف الوكالات.
تحديات جديدة
وبالنسبة للشخصيات الجديدة، يقول مقربون منهم إنهم سيكون على مستوى التحدي الإداري.
وقال العضو الجمهوري في مجلس النواب، توم كول، إن زميله الجمهوري توم برايس الذي اختاره ترامب لتولي وزارة الصحة والخدمات البشرية "حاسم بطبعه". وأشاد بتاريخ برايس كجراح، وهي أيضا المهنة السابقة لبين كارسون، الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية.
وقال هنري بريم، وهو جراح أعصاب عمل مع كارسون في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور، إن كارسون يتسم بالهدوء، ولا يخشى الإدلاء بآراء قوية.
وأضاف "أنه شخص مهذب يعبر عن رأيه، ولديه أفكار عظيمة، ولا يستطيع أحد في العالم ترهيبه".
وقال جيمس هينسون، مدير مشروع تكساس السياسي في جامعة تكساس في أوستين، إن ريك بيري الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الطاقة عمل لمدة ثلاثة أشهر في منصب حاكم تكساس، واضطر إلى "عمل توازن بين قاعدة التأييد الشعبية المحافظة للغاية وبين مجتمع من رجال الأعمال صاحب نفوذ كبير".
ولم يشغل العديد ممن اختارهم ترامب أي منصب حكومي، وليست لديهم أي خلفية تذكر في صنع السياسات، بمن في ذلك تيلرسون، ومرشح الخزانة ستيفن منيوتشن، وهو مسؤول سابق في جولدمان ساكس، والمرشح لوزارة التجارة ويلبر روس، وهو من المستثمرين الأثرياء، وجاري كوهن المدير التنفيذي لشركة جولدمان ساكس، والذي سيرأس المجلس الاقتصادي لترامب.
وفي عام 2008، اشترى منيوتشن شركة اندي ماك، وهي شركة رهن عقاري انهارت خلال الأزمة المالية، وساعدها في التحول إلى ما أصبح معروفا باسم بنك وانويست، وهو بنك تجاري مزدهر في جنوب كاليفورنيا.
الكثير من التعطيل
الاستعانة بأشخاص من خارج العمل السياسي لا ينجح دائما؛ ففي 2001، أثار بول أونيل وزير الخزانة في حكومة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، الذي كان رئيسا تنفيذيا سابقا لشركة ألكوا للألومنيوم، اضطرابا في الأسواق بسلسلة تصريحات طائشة بدت أنها تنذر بتحولات في السياسة الاقتصادية تختلف عن موقف البيت الأبيض. وأقيل من منصبه في نهاية الأمر.
وقال توماس مان، وهو خبير في الإدارة في معهد بروكينجز: "إدارة وكالات كبيرة وعامة صعب تماما، ويتطلب الاستعانة بأشخاص من أصحاب الخبرة والمعرفة والعمل بأسلوب لا ينفر الناس".
وأقر أنتوني سكاراموتشي، المستشار بفريق ترامب الانتقالي، بأن الكثير جدا من عديمي الخبرة قد يكون ضارا لإدارة ترامب.
وقال: "واشنطن عبارة عن جسد يتمتع بنظام مناعي قوي للغاية.. سترون رفضا تاما للأعضاء إذا وضعنا الكثير من المعرقلين الحاليين في واشنطن".