تقف
الثورة السورية اليوم على مفترق طرق، في ضوء التطورات الأخيرة في مدينة
حلب، مع سقوطها بيد قوات النظام والمليشيات الشيعية المساندة له، ثم إفراغ الأحياء الشرقية من سكانها ومقاتليها.
فسقوط حلب، بحسب مراقبين ومحللين، يشكل نقطة مفصلية في تاريخ الثورة السورية، حيث لا يمكن لأحد أن يتجاهل آثار هذا التطور وتداعياته، على المشهد الميداني والسياسي في
سوريا.
ومع تسارع الأحداث الميدانية والدولية، يتساءل كثيرون عن السيناريوهات المتوقعة بعد معركة حلب، وكيف سيكون شكل المرحلة المقبلة.
سيناريوهات ما بعد حلب
وفي هذا السياق، يرى المحلل العسكري راني جابر، أنه "بعد حلب، سيستمر النظام في حربه وحملته العسكرية، ويتجه نحو مناطق جديدة"، معتبرا، في حديث لـ"
عربي21"، أن النظام وحلفاءه يحاولون استثمار هذا "النصر" العسكري في حلب للتوجه نحو المناطق الأكثر أهمية بالنسبة لهم، وقد يكون ريف حماة ومناطق وسط سوريا أكثر أهمية بالنسبة لهم، خصوصا بعد تطورات معركة تدمر في ريف حمص الشرقي.
ويقول ضابط في الجيش السوري الحر موجود في الداخل السوري، لـ"
عربي21"، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "الحرب كر وفر، والأقوى هو الذي يفرض زمان ومكان المعركة، ويحاول جرّ عدوه الى المكان الذي يناسبه، لذلك النظام وميليشياته سوف يهاجمون ريفي حلب وإدلب، شمال البلاد".
بدوره، اعتبر المحلل العسكري، العقيد فايز الأسمر، أن المجتمع الدولي ربما يغض النظر عن محافظة إدلب، وأنها أمام سيناريو يحضر لها وهو أسوأ من سيناريو مدينة حلب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه ربما تكون الغوطة الشرقية هي الهدف الثاني، من أجل تأمين العاصمة دمشق، وتأمين طريق دمشق- حلب، من تلك المنطقة التي ما زالت تُقلق راحة النظام.
ووفقا للعقيد الأسمر، فإن النظام سيحاول عزل ريفي حلب الغربي والجنوبي عن إدلب، وذلك باتجاه مدينة تفتناز، وصولا لبلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل جيش الفتح بريف دلب، كما أنه سيحاول تحريك قواته من جهة نبل والزهراء بريف حلب الشمالي باتجاه بلدات عندان وحريتان بريف حلب، ومن جهة طريق الكاستيلو باتجاه الريف الجنوبي والغربي.
وتابع، في حديث لـ"
عربي21": "النظام سيحاول أيضا تحريك قواته من جهة بلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي باتجاه بلدة العيس، للسيطرة عليها وقطع طريق دمشق- حلب الاستراتيجي، وصولا لمدينة تفتناز بريف إدلب، وهنا يصبح على بعد أمتار من بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين"، على حد تقديره.
ونوّه الأسمر إلى أن النظام وملشياته يحاولون إفراغ بلدتي الفوعة وكفريا و"قلعهما من المحيط السّني"، وهذا ما يدل أن هناك نيّة كبيرة مبيّتة لإدلب، والتي تعد بالنسبة للنظام "تورابورا"، على اعتبار أنها مقر لجبهة فتح الشام، ولكل المنفيين الرافضين للمصالحة مع النظام، ولكل من يرفض وضع يده بيد النظام، كما قال.
إدلب.. المحرقة المقبلة بعد حلب
وحذّر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، في وقت سابق، من أن تصبح إدلب المحرقة المقبلة بعد حلب. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، إنه إذا لم يتم وقف إطلاق النار في سوريا، فإن إدلب قد تصبح "حلب الثانية"، في حين حذّر الوزير الفرنسي من أن تتحول سوريا إلى "أفغانستان أخرى"، إذا لم يتم وضع حد لما يجري في سوريا.
خيارات المعارضة السياسية والعسكرية
ويرى المحلل العسكري راني جابر؛ أنه لا يوجد الكثير من الخيارات أمام جميع الأطراف سوى الاستمرار بالقتال، معتبرا أن نموذج الحرب في سوريا يتحول تدريجيا منذ بدايتها؛ لحرب كسر عظم لا مجال فيها للمصالحة أو الحلول السياسية، وفق تقديره.
بينما يشير الضابط في الجيش الحر الذي تحدث لـ"
عربي21" من الداخل السوري، إلى أن خيار الثوار المطروح نقل المعركة إلى الساحل وبقوة، حتى يتم فرض حالة رعب لدى الموالين للنظام وعدم تركهم ينعمون بالأمن والأمان، على حد تعبيره.
أما العقيد الأسمر؛ فقد رأى أن "المعارضة السياسية هي من أضعفت الثورة السورية، كونه لا يوجد أي سياسي استطاع أن يصّب كل القرارات السياسية لصالح تلك الثورة، إضافة لمجتمع دولي غير آبه بما يمر به الشعب السوري"، بحسب قوله.
وحذّر الأسمر من أن الثورة في تراجع، مطالبا بضرورة أن "ينزل المختصون العسكريون إلى الأرض، لإنشاء غرفة عمليات واحدة، وتغيير أساليب القتال من الأرياف البعيدة وصولا للمدن، ومحاصرة النظام والمليشيات المساندة له في داخلها، والاعتماد على المجموعات والحرب الخاطفة، وشن الكمائن والإغارة على طرق إمداد النظام وأماكن توزع مجموعاته، وعدم إعطائه فرصة للراحة"، كما قال.