اتفقت أنقرة وموسكو على مقترح لوقف إطلاق نار شامل في سوريا، سيعرض على أطراف الأزمة، تزامنا مع اجتماع مرتقب بين ممثلي المعارضة السورية وروس وأتراك.
جاء ذلك وفق ما أعلنته وكالة "الأناضول" التركية، التي نقلت عن مصادر وصفتها بـ"الموثوقة"، أن
تركيا وروسيا اتفقتا على مقترح لتوسيع نطاق وقف إطلاق النار، وإجلاء السكان من مدينة حلب، ليشمل جميع مناطق الاشتباكات بين النظام السوري والمليشيات الموالية له من جهة، والمعارضة من جهة أخرى.
وقالت المصادر إن أنقرة وموسكو ستبذلان جهودا حثيثة ليدخل وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة حيز التنفيذ بحلول منتصف الليل.
وذهب معلقون وناشطون سياسيون إلى التساؤل حول هذا التقارب الأخير بين تركيا وروسيا، وأين
إيران منه، إذ إنها تعد طرفا مهما في النزاع لا يمكن تجاهله.
من جهته، قرأ المختص في الشأن التركي، صالح عياد، هذا التقارب الروسي التركي الأخير، وذهب إلى أنه لا يعني إحلالا للدور التركي بدل إيران في سوريا، إنما أشار إلى أن هناك أدوارا مختلفة لكل من إيران وتركيا هناك.
ولفت في حديثه لـ"
عربي21"، الأربعاء، إلى أن
روسيا تريد استغلال التأثير التركي على المعارضة السورية، مضيفا أنه لا يمكن إنكار التأثير الواضح لأنقرة على المعارضة منذ نشأة المجلس الوطني منذ عام 2011 في اسطنبول، وحتى اليوم، لطبيعة الجغرافيا السياسية وموقف تركيا من الثورة.
وقال إنه يتضح من خلال المقترح الروسي أن موسكو تبحث عن أدوار جديدة، فهي لا تستبعد الدور الإيراني، بل هو موجود، ولكنه مقتصر على الأرض لتحقيق مكاسب عسكرية.
وأضاف أن تركيا تتجاوب مع المحاولات الروسية لأنها تريد أن تحصل على مكاسب، من ضمنها أن يكون تأثيرها أكبر في الملف السوري، وأن تثبت للجميع أنها قادرة على التأثير في الملف السوري، وأنه لا يوجد حل في سوريا دون الرجوع إليها.
اقرأ أيضا: ما هي محددات العلاقات بين أنقرة وموسكو في الملف السوري؟
ولاحظ عياد تقاربا كبيرا بين روسيا وتركيا منذ شهر كامل بخصوص الملف السوري، وأن هناك سعيا لإيجاد حلول بعيدا عن الموقف الغربي والأمريكي المعطل لكل شيء منذ ست سنوات.
إيران والمقترح الروسي التركي
في حين أنه لا يمكن أن يكون هناك وقف لإطلاق النار دون أن تكون إيران طرفا في المفاوضات، وفق عياد، إلا أنه أوضح أن الدور الإيراني في سوريا تحاول روسيا أن تحصره في العمل العسكري الميداني فقط.
وأوضح أن ذلك كان جليا في عملية إخلاء المدنيين في حلب، إذ إن المليشيات الإيرانية كان لها موقف آخر من
الهدنة، ولكن روسيا أعلنت بكل صراحة أن من يطلق النار أو يعطل الاتفاقية ستطلق النار عليه، وهذا يعني أن روسيا صاحبة القول الأخير.
وقال: "لذلك، فإن هذا يعني أن إيران مرتبطة بشكل أساسي بالموقف الروسي. يمكن أن يكون لإيران آراء مختلفة ما يعني ممارستها للضغوط على موسكو، ولكن الكلمة الأخيرة ستكون لروسيا".
ورأى أن إيران تعد الآن تحت الجناح الروسي، وتوقع عياد أن إيران ستوافق على هذا الاتفاق في حال كتب له النجاح، إذ إنه يمكن لها أن تضغط لتحقيق شروط إضافية، مثل ما حصل في حلب في موضوع كفريا والفوعة وإدخالها في نطاق وقف إطلاق النار.
اقرأ أيضا: كيف رأى وزير دفاع إيران مشاركة السعودية بمفاوضات سوريا؟
من جهته، رأى الكاتب قاسم قصير، في حديثه لـ"
عربي21"، أن الإيرانيين ليسوا بعيدين عن هذه الأجواء، مضيفا أن هناك تنسيقا إيرانيا روسيا تركيا كان واضحا في الفترة الماضية، في المجال السياسي والميداني، وأظن أن هذا الاقتراح التركي الروسي ليس بعيدا عن الجو الإيراني.
وقال: "في المجمل، السياسة الإيرانية تلزم الذهاب باتجاه مفاوضات سياسية ووقف إطلاق النار، وهذا ينسجم مع المقترح الأخير"، ولكنه لفت إلى أن الاقتراح الأولي "لم يتم مناقشته بعد بشكل كامل بخصوص تفاصيل وقف إطلاق النار"، مؤكدا أن إيران تنتظر التفاصيل الكاملة حول هذا المقترح.
ولفت إلى أن إيران وحزب الله والنظام السوري يتم التنسيق فيما بينهم قبل اتخاذ أي قرار، معتبرا أن الأطراف الثلاثة معنية بوقف إطلاق النار، ولكنها تنتظر التفاصيل التي ستعلن على أساسها موقفها بشكل نهائي.
وأكد أنه بشكل عام، فـ"إيران سبق أن أعلنت أنها تريد الذهاب نحو مفاوضات سياسية والعمل على وقف إطلاق النار".
إنهاء العمل العسكري
وفي معرض حديثه، أوضح عياد أن روسيا معنية بشكل أسياسي بإنهاء العمل العسكري في سوريا بالواقع الحالي، "فروسيا حققت مكاسب ميدانية على الأرض، وتريد الحفاظ عليها، والحفاظ على وجودها في الساحل السوري، وقواعدها، وإنهاء حالة الاستنزاف عسكريا واقتصاديا وسياسيا"، وفق قوله.
وذهب إلى أن روسيا ترى أن القتال دون حل سياسي لن يجدي، فلابد في النهاية من الوصول إلى نقطة معينة يبدأ بها الحديث عن حل سياسي، وروسيا باتت اليوم تريد الاستعجال بهذه النقطة.
وقال إن روسيا تحاول كسب حالة الضعف والصدمة التي تتعرض لها المعارضة السورية، إذ إن الأخيرة في موقف لا تحسد عليه. لذلك، روسيا تريد استغلال هذا الموقف، ولا تريد أن تأخذ المعارضة نفسا، وتستعيد قدراتها على الأرض، ما يجعلها تريد بأسرع وقت ممكن تثبيت وقف لإطلاق النار، وتحاول استغلال تركيا في هذا المجال.
أين الدور السعودي؟
وقال عياد لـ"
عربي21" معلقا على سؤال حول أي دور سعودي مقبل بخصوص اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، إنه "مع الأسف الشديد، فإن
السعودية منذ شهرين يبدو أنها رفعت يدها عن كل ملفات المنطقة لا سيما الملف السوري، ويتضح ذلك بشكل جلي للمتابع لكل التحركات السعودية والتصريحات واللقاءات والنشاط السعودي مؤخرا".
وأشار إلى أن هناك تصريحات مسربة، تفيد بأن السعودية رفعت يدها عن الملف السوري حتى مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
اقرأ أيضا: هل تراجعت سوريا في أجندة السياسة الخارجية السعودية؟
وبناء على ذلك، قال عياد إن السعودية اليوم لن تبادر باتخاذ أي موقف، ولاحظ أن السياسة التركية فقدت الأمل ولو مرحليا بالدور السعودي، حتى أن اللقاءات التركية السعودية شهدت فتورا كبيرا خلال الفترة الماضية، إذ لم يحصل مؤخرا إلا اجتماع واحد الأسبوع الماضي بين وزيري الخارجية في جدة على هامش اجتماعات منطمة التعاون الإسلامي.
وأوضح أنه لا أحد يعرف كيف سيكون موقف إدارة ترامب الجديدة تجاه الملف السوري، لذلك فالسعودية الحليف التقليدي لأمريكا في المنطقة، لن تغامر باتخاذ موقف، خصوصا أن التقارب مع روسيا ليس بالأمر الهين، وأمريكا منزعجة وتحاول تعطيل هذه الاتفاقيات لأنها محاولة للالتفاف على الدور الأمريكي في المنطقة لذلك أمريكا لن تحاول الخروج عن هذا الطوق.
وقال إنه يمكن للدبلوماسية السعودية أن تعود وتنشط في شباط/ فبراير المقبل، بعد استلام الإدارة الجديدة بأمريكا مسؤولياتها بشكل رسمي.
ووافق قاسم ما ذهب إليه عياد بأن الدور السعودي تراجع نسبيا مؤخرا، وعلل ذلك بأنه يأتي بسبب انشغال الرياض بالملف اليمني، وبسبب أن الأطراف التي كانت ترتبط مع السعودية تراجع دورها في المشهد السوري، وأصبحت تركيا هي الأكثر فعالية بالمشهد السوري نظرا للحدود المشتركة مع سوريا، وعلاقتها مع الجماعات المسلحة التي هي ضد الأسد.
لكنه ذهب إلى التأكيد أن السعودية تبقى طرفا مؤثرا على المستوى السياسي أو على المستوى العام، وقال: "أعتقد بأنه ليس للسعودية مصلحة بالوقوف أمام أي اتفاق أو وقف لإطلاق النار في سوريا".
رأي الأسد بالتقارب الروسي التركي
وحول رأي النظام السوري بالاقتراح الروسي التركي والتقارب الأخير بين أنقرة وموسكو، قال عياد إن نظام الأسد منذ التدخل الروسي في سوريا، لم يعد لاعبا أساسيا، وإنما تابعا للموقف الروسي.
ولفت إلى أن الأسد لن يكون راضيا بأن تكون هناك في المفاوضات طرح لفكرة بقائه أو رحيله، لذلك يمكن أن يضغط نظامه عن طريق حليفه إيران بشكل غير مباشر على روسيا بخصوص ملف البقاء، فالأخيرة معنية ببقائه رئيسا، إلا أنه ذهب إلى أن روسيا باتت هي التي تسيطر الآن، وهي من تضع الحلول.