زادت في الشهور الأخيرة التحركات الدبلوماسية والاقتصادية لدول الخليج، وخاصة
السعودية وقطر، في إثيوبيا، والتي تعدّها تلك الدول امتدادا طبيعيا لدوائر أمنها القومي.
ومع دخول
تركيا في المشهد؛ فقد تحولت إثيوبيا إلى مكان يجمع أعداء نظام قائد الانقلاب بمصر، عبدالفتاح
السيسي، ما يمثل تهديدا مباشرا له، بحسب مراقبين.
وكان مستشار العاهل السعودي، أحمد الخطيب، قد زار
سد النهضة في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبعده بيومين فقط؛ قام وزير الخارجية
القطري، محمد بن عبدالرحمن، بزيارة مماثلة. وكانت آخر تلك الزيارات الأربعاء الماضي، حيث زار السد وفد تركي برئاسة وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، وبصحبته 100 من رجال الأعمال.
ويقول مراقبون إن هذه الدول لم تنفتح على إثيوبيا لمكايدة مصر فحسب، وإنما لهذه الخطوة أيضا أبعاد اقتصادية، تتمثل في السعي وراء الفرص الاستثمارية الهائلة المتاحة في ذلك البلد بمجالات الزراعة والطاقة.
مصر تدفع الثمن
وقال خبير المياه بمركز دراسات الشرق الأوسط، أحمد نور عبدالمنعم، إن الزيارات المتعاقبة من قطر والسعودية إلى إثيوبيا "تثير كثيرا من علامات الاستفهام، وخاصة بسبب توقيت الزيارات، وتفقد هؤلاء المسؤولين لسد النهضة، بما يعكس بوضوح سوء النية تجاه مصر".
وأوضح عبدالمنعم لـ"
عربي21" أن هذه الزيارات ستؤدي حتما إلى زيادة التباعد بين مصر ودول الخليج، وتفاقم الخلافات بينهما؛ لأن المشروعات الاقتصادية التي تنفذها السعودية أو قطر في إثيوبيا، ودعمها لسد النهضة؛ يصب في صالح الأمن القومي لإثيوبيا، ويرفع الروح المعنوية للشعب الإثيوبي، بينما يؤثر سلبا على الأمن القومي المصري.
من جانبه؛ قال رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية، هاني رسلان، إن زيارات السعودية وقطر الكثيرة لإثيوبيا "ما هي إلا انعكاس للوضع الاستراتيجي الجديد في المنطقة برمتها".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "السعودية تحاول أن تقود المنطقة، بينما تريد قطر أن تجعل لها دورا مؤثرا"، مشيرا إلى أن "السعودية تتجه للتركيز على أفريقيا بعد أن اعتقدت أن الدول العربية الآسيوية أصبحت تحت سيطرتها، ولم يعد ينقصها إلا مد نفوذها إلى القارة السمراء التي أهملتها مصر كثيرا، وتدفع ثمن ذلك الآن".
وأوضح أن هذا التوجه الخليجي؛ يهدف إلى الاستفادة من غياب الدور المصري في أفريقيا، "فالقطريون والسعوديون متأكدون أن السيطرة على العالم العربي تبدأ من أفريقيا، وهذه لحظة مناسبة لمن يريد السيطرة على الشرق الأوسط بأن يكون له دور في سد النهضة، وهذا ما فعلته السعودية تحديدا".
قطع شريان الحياة
وفي هذا الإطار؛ قالت صحيفة "اليوم السابع" المصرية المقربة من النظام، السبت الماضي، إن هذه الزيارات المتتالية والمتزامنة للمسؤولين السعوديين والقطريين والأتراك "ليست بغرض الاستثمار فحسب، بل إن الدول المعادية لمصر ذهبت إلى إثيوبيا من أجل تضييق الخناق على مصر، ولمحاولة قطع شريان الحياة عن مصر المتمثل في مياه النيل".
من جانبه؛ قال الباحث الإسرائيلي يفجيني كلاوبر، إن "التواجد السعودي المتزايد في إثيوبيا، والمصالح المباشرة للمملكة هناك؛ يعكسان بوضوح تدهور العلاقة بين القاهرة والرياض".
وأضاف في تقرير نشره موقع "أراب سينسور" الإسرائيلي، الاثنين، أن زيارة المستشار السعودي الأخيرة لسد النهضة "تعد بمثابة نقطة تحول جوهرية في السياسة الخارجية للمملكة تجاه السيسي؛ بعد أن كانت من أكبر مؤيديه منذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي".
وأوضح كلاوبر أن السعودية "تخشى من عدم الاستقرار في مضيق باب المندب على البحر الأحمر، لذلك فهي ترسخ أقدامها في شرق أفريقيا لحماية محور التجارة الرئيس الذي يمر به النفط السعودي".
كيد نساء
ولم تكن السعودية وقطر فقط اللتين تسعيان للاستثمار في إثيوبيا، فباقي دول الخليج تبدي اهتماما بهذا الملف، ومن بينها
الإمارات التي ما زالت تدعم السيسي، وهي إحدى الدول المساهمة في تمويل سد النهضة، كما أن لها استثمارات في إثيوبيا تقدر قيمتها بنحو 800 مليون دولار، بحسب تصريحات سابقة لوزير الاقتصاد سلطان المنصوري.
إلى ذلك؛ عقدت لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس نواب الانقلاب اجتماعا، الاثنين، لمناقشة الزيارات الخليجية لسد النهضة. وقال النائب مصطفى الجندي إن "وزير الخارجية أكد عدم وجود "تمويل مباشر" من السعودية وقطر لسد النهضة".
وتابع الجندي: "لكنا لا نعلم ما إذا كان هناك أمر سري يمثل تهديدا للمصريين".
من جانبه؛ قال النائب كمال أحمد، إن سد النهضة أصبح أمرا واقعا، وإن الخطر الحقيقي من ورائه لم يبدأ بعد، مضيفا أن ما تقوم به قطر والسعودية في إثيوبيا هو "كيد نساء" يجب أن تتعامل معه مصر بجدية، على حد تعبيره.