نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها للشؤون السياسية جيسيكا إلغوت، حول تنازل
الأطفال عن حقوقهم الرقمية لرسائلهم وصورهم، دون علم منهم، عندما يوقعون على عقود مواقع التواصل الاجتماعي، في شبه غياب للنصح من الوالدين أو المدرسة، بحسب مفوض الأطفال في إنجلترا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ما يقارب من نصف الأطفال في الفئة العمرية ما بين 8 و 11 سنة، وافقوا على شروط غير مفهومة، لمنح كبار شركات الإعلام الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، حق التحكم في البيانات الخاصة بهم، دون أي مساءلة، بحسب فريق العمل المتخصص بـ"النشوء الرقمي" التابع للمفوض.
وتلفت الكاتبة إلى أن
الدراسة، التي استمرت سنة كاملة، اكتشفت أن الأطفال دائما ما يوقعون على شروط تتضمن التنازل عن حقوق الخصوصية، وتسمح ببيع المحتويات التي يضعونها على الإنترنت في أنحاء العالم كله، دون قراءة الشروط أو فهم التداعيات.
وتنقل الصحيفة عن مفوضة الأطفال آن لونغفيلد، قولها إن الأطفال بحاجة إلى ديوان مظالم خاص بهم؛ لتمثيل حقوقهم في الإعلام الاجتماعي، وأوصت ببرنامج مواطنة رقمية، يفرض في كل مدرسة، من سن 4 وحتى 14 عاما.
ويورد التقرير مثالا على ذلك تطبيق "إنستغرام" لمشاركة الصور، الذي يستخدمه أكثر من نصف الأطفال في الفئة العمرية من 12 إلى 15 عاما، و48% من الفئة العمرية 8 وحتى 11 سنة، له شروط لم يفهمها أي من الأطفال الصغار، الذين ركز عليهم فريق العمل، مشيرا إلى أن نصف الأطفال فقط من الفئة العمرية 8 إلى 11 عاما استطاعوا قراءة الشروط، التي تبلغ حوالي خمسة آلاف كلمة في 17 صفحة.
وتذكر إلغوت أن المتخصصة في قانون الخصوصية جيني آفيه قامت بإعادة كتابة شروط "إنستغرام" بطريقة يمكن أن تكون مفهومة للأطفال، ومن بينها أن تطبيق "إنستغرام"، "له الحق في استخدام الصور التي تضعها عليه، والسماح للآخرين باستخدامها أيضا في أي مكان في العالم، وقد يدفع الآخرون لنا لاستخدام تلك الصور، ولكن لن ندفع لك مقابل ذلك"، لافتة إلى أنه يمكن لـ"إنستغرام" أن يشارك مع شركات أخرى أي معلومات شخصية حول المستخدمين، "مثل تاريخ ميلادك، أو من الذين تتحدث معهم، وحتى من تتواصل معهم في رسائل خاصة.. وبإمكاننا أن نضطرك لتغيير اسم المستخدم لأي سبب"، بحسب الصيغة المعادة للشروط.
وتفيد الصحيفة بأن الأطفال وجدوا الصيغة المعادة أسهل بكثير للفهم، وفوجئ الكثير منهم بالحقوق التي يعطيها "التطبيق" لذاته، وقال عدد منهم إنهم سيلغون التطبيق، أو يعيدون التفكير في استخدامه، وقال طفل عمره 13 عاما لفريق العمل: "سألغي التطبيق لأنه غريب"، وقالت طفلة عمرها 13 عاما: "يكتبون الشروط بهذه الطريقة حتى لا تفهمها، لأنك إن فهمتها ستفكر بشكل آخر".
ويورد التقرير نقلا عن آفيه، قولها: "إن الوضع خطير، فالأطفال يعطون المعلومات الخاصة، دون فهم حقيقي منهم من الذي يحتفظ بتلك المعلومات، وماذا سيفعلون بها"، مشيرة إلى أن الشروط المبسطة لها الفعالية ذاتها، إن لم تكن أفضل من ناحية قانونية، "حيث من السهل القول في الشروط الحالية إن موافقة الطفل ناتجة عن عدم الفهم"، وتضيف: "إن كان هناك خلاف بين طفل و(إنستغرام)، فإن أول شيء سيقال هو إن الطفل لم يمنح الموافقة لأنه لم يفهم الشروط".
وتقول آفيه إنه لمن المقلق أن تظهر الشركات وكأنها لا تريد أن يفهم الأطفال الشروط، وتضيف: "فكر الأطفال بطريقة مختلفة حول استخدام تلك الخدمات.. نريد وعيا أكثر، ونأمل أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الضغط لتحسين الخدمات".
وتنوه الكاتبة إلى أن الأطفال أبلغوا عن محاولات غير مجدية للتعبير عن أمور مقلقة تتعلق بالإعلام الاجتماعي، حتى عندما كانت التصرفات غير قانونية، مثل الرسائل ذات الطابع الجنسي مع أطفال تحت السن القانونية، ومحاولات التتبع، مشيرة إلى أن إحدى تلك الشكاوى كانت متعلقة بأحد حسابات الإعلام الاجتماعي، الذي كان يطلب من البنات اللواتي تبلغ أعمارهن 13 عاما، إرسال صور عارية.
وتنقل الصحيفة عن فتاة قولها لفريق البحث: "طلب أحدهم من الكثير من البنات في مدرستي إرسال صور عارية، وكلهن قمن بالإبلاغ عنه حوالي 100 مرة، لكن الحساب لا يزال موجودا.. ولم يفعلوا شيئا لذلك الحساب، بالإضافة إلى أنه أرسل صورا فاضحة لنفسه، وأقسم أنها غير قانونية، لكن لا شيء حصل"، وقالت طفلة عمرها 12 عاما، إن الأطفال يخدعون ليشاهدوا صورا بذيئة، مثل أن يطلب من المشاهد ضغط رابط لرؤية صور جميلة، فيجد أن هناك صورة لعضو ذكري.
وتقول لونغفيلد إن الأطفال يقضون نصف وقت فراغهم في أجواء غير محكومة بضوابط، ويسيطر عليها عدد ضئيل من الشركات المتنفذه، وتضيف: "إن السماح للأطفال بالتجوال في عالم هم غير مهيئين له يعد من التصرفات غير المسؤولة.. من الضروري أن يعرف الأطفال على ماذا يوافقون عندما ينضمون لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن تتم حماية خصوصيتهم بشكل أفضل، وأن يكون بإمكانهم إزالة أي محتوى عنهم بسرعة، إن هم أرادوا ذلك".
وتتابع لونغفيلد قائلة إنها تأمل بأن توسع الحكومة سلطة مكتب مفوضية الأطفال، ليكون لها اطلاع مستقل على عدد ونوع الشكاوى التي تصل إلى مقدمي خدمات الإعلام الاجتماعي من الشباب، وتقول: "عندما أنشئت شبكة الإنترنت قبل 25 عاما فإنها لم تأخذ الأطفال بعين الاعتبار"، بحسب الصحيفة.
ويورد التقرير نقلا عن فريق العمل، الذي تضمن مديرة قسم الأطفال في الـ"بي بي سي"، أليس ويب، ومؤسس منظمة مكافحة البلطجة ليام هاكيت، قوله إن هناك ارتفاعا كبيرا في استخدام الأطفال للإنترنت حتى من أطفال في الثالثة من عمرهم، لافتا إلى أن الأطفال في الفئة العمرية من 3 إلى 4 سنوات، يقضون ما معدله 8 ساعات و18 دقيقة في الأسبوع على الإنترنت، أي حوالي ساعة ونصف أكثر من المعدل عام 2015، وعندما يصل الأطفال إلى سن المراهقة فإنهم يقضون أكثر من 20 ساعة في الأسبوع على الإنترنت، بحسب فريق العمل.
وبحسب إلغوت، فإن فريق العمل اقترح إنشاء ديوان مظالم خاص بالقضايا الرقمية، يمكنه العمل وسيطا بين الأطفال وشركات الإعلام الاجتماعي، حول إزالة المحتويات الحساسة، مشيرة إلى أن الفريق قال إنه يجب على الحكومة التفكير في وضع قوانين تحمي خصوصية الأطفال وبياناتهم على الإنترنت، وهو شبيه بما يتم اقتراحه في الاتحاد الأوروبي.
وتنقل الصحيفة عن وزيرة الظل في حزب العمال سارة تشامبيون، التي كتبت تقريرا تقترح فيه تعديل التعليم الجنسي في المدارس بشكل كامل، مع تخصيص مساحة المخاطر الرقمية، بما في ذلك الاستدراج على الإنترنت، قولها: "هذا التقرير يقدم أدلة إضافية على أن الحكومة لا تعمل ما يكفي لتسليح الأطفال بالمهارات والمعلومات للبقاء آمنين على الإنترنت".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول تشامبيون: "يجب أن ندرك أن الأطفال ينشؤون منغمسين في العالم الرقمي، ونحن مدينون لهم بأن نفعل كل ما بوسعنا لتعليمهم ودعمهم بخصوص المخاطر التي يواجهونها في العالم الافتراضي، كما نفعل تماما في العالم الحقيقي".