ما زالت المكالمة المسربة بين رئيس الأركان الأسبق للجيش سامي عنان، ونائب رئيس الجمهورية السابق محمد البرادعي؛ تثير الكثير من ردود الفعل المتباينة في
مصر، مع تساؤلات حول الجهة التي تستطيع تسجيل
مكالمات القيادات العليا للقوات المسلحة خلال وجودها على رأس عملها.
وأذاع الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى يوم السبت الماضي مكالمة مسجلة بين عنان والبرادعي، تعود لأيام من تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك في أعقاب ثورة كانون الثاني / يناير 2011، أي في فترة إدارة المجلس العسكري للبلاد.
وبينما رأى مؤيدون لنظام عبد الفتاح السيسي وبعض المحللين؛ أن سامي عنان ليس هو المقصود بهدا التسريب وأن المستهدف هو البرادعي، إلا أن سياسيين ونشطاء أكدوا أن الخطوة بالغة الخطورة على الأمن القومي، وتعكس حالة الصراع بين الأجهزة الأمنية في البلاد، حيث لا أحد في مأمن من
التنصت عليه، مهما كان موقعه في السلطة.
وتزامن بث هذا التسريب، وهو واحد ضمن سلسلة تسجيلات لمكالمات تخص البرادعي، مع بث الحلقة الأولى من مقابلة له على تلفزيون "العربي" في لندن، وهي المقابلة الأولى له منذ استقالته ومغادرته مصر في آب/ أغسطس 2013 عقب مذبحة فض اعتصام رابعة.
ويشار إلى أن سامي عنان، ومنذ تنازله عن الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية أمام السيسي في آذار/ مارس 2014، اعتزل الحياة السياسية، فيما كشفت تقارير صحفية أنه يخضع لمراقبة الأجهزة الأمنية وممنوع من السفر.
تنسيق مستغرب بين الأجهزة الأمنية
وفي هذا السياق، أعرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، عن اعتقاده بأن "هذه التسريبات ما هي إلا دعاية رخيصة يمارسها
اعلام السلطة عبر إعلاميين موجهين من أجهزة الأمن لتشويه ثورة يناير وكل رموزها"، مشيرا إلى أن "التسريبات المخالفة للدستور والقانون لشخصيات عامة أو سياسية" تذكر بأمن الدولة في عهد مبارك وفترات القمع السياسي الماضية.
وأضاف نافعة، في حديث لـ"عربي21" أن التسجيل لمكالمة البرادعي وعنان، تم في شهر شباط/ فبراير أو آذار/ مارس 2011، "وفي ذلك الوقت كانت كل الهواتف مراقبة من قبل جهاز أمن الدولة، كما دخلت المخابرات الحربية في المشهد، حينما نزل الجيش للشوارع يوم 28 كانون الثاني/ يناير".
وتابع: "بطبيعة الحال، كانت هواتف أعضاء المجلس العسكري الحاكم مراقبة من قبل المخابرات الحربية، وفي هذه الفترة تدخل الأمن السياسي في اختصاصات الجيش بعدما كان بعيدا عنه تماما، وأعتقد أن هذا كان بسبب الظرف الاستثنائي الذي جعل القوات المسحلة تتولى إدارة البلاد وقتها"، وفق قوله.
لكن نافعه عبّر عن استغرابه من "التنسيق الذي حدث لاحقا بين أمن دولة مبارك والمخابرات الحربية، لأن تخزين هذه التسجيلات وإظهارها الآن بهدف تشويه شخصية مثل البرادعي أو غيره من الشخصيات المحسوبة على ثورة يناير"، مشيرا إلى أنه في ذلك الوقت "كان هناك صراع بين أجهزة الأمن في الفترة التي تلت تنحي مبارك عن الحكم، حيث كان الصراع دائرا بين أمن الدولة القديم والجيش، لكن الآن تصالحت جميع هذه الأجهزة مع بعضها واتفقت على تشوية ثورة يناير بشتى الطرق".
السيسي لم يفلت من التسريب
من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية، عبد الخبير عطية، أن "أي تسجيل لأي شخص مرفوض بالتأكيد، إلا إذا كان بإذن من النيابة، وفي إطار قضية جنائية طبقا للقانون".
وأوضح عطية أن "ما نشاهده الآن من تسريبات لتسجيلات تمت لشخصيات عامة تتعرض لحياتهم الشخصية؛ فهذا أمر يتم بغرض تشويه شخصيات لها خصومة مع النظام الحالي"، لافتا إلى أن البرادعي تولى منصبا تنفيذيا بعد "ثورة 30 يونيو، لكنه استقال وكان له موقف مخالف لوجهة نظر النظام، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية إلى تشويه سمعته في إطار الهدف الأكبر وهو تشوية ثورة يناير"، كما قال.
وأضاف عطية لـ"عربي21" أن كل الأجهزة الأمنية تقوم بتسجل مكالمات لبعضها البعض، "فليس غريبا أنه يتم تسجيل مكالمة لسامي عنان وقت أن كان رئيسا لأركان الجيش، حتى أن الرئيس السيسي نفسه تم تسجيل فيديوهات وتسجيلات له وتم تسريبها واذاعتها على قناة الجزيرة من قبل".
وأشار إلى أن "فكرة تسجيل المكالمات أصبح أمر وارد جدا، خاصة مع التقدم في وسائل التنصت التكنولوجية التي تستخدمها الأجهزة الأمنية مع خصومها ومعارضي النظام، لكن للأسف ما زال هناك فصيل في هذه الأجهزة يعادي ثورة يناير وكل المحسوبين عليها، وينتهز أي فرصة لتشويههم"، بحسب تعبيره.
تسريب ضد الجيش المصري
وفي هذا السياق، قال الصحفي جمال الجمل، في مقال بصحيفة البديل المصرية: "هناك شخص أو جهة ما تمكنت من اختراق مكتب رئيس أركان الجيش، وسجلت مكالمة بينه وبين أحد الأشخاص على هاتف مكتبه، الموضوع تحت المراقبة، ثم تجرأت على تسريبها دون أن ينزعج أحد (أو جهة) من أن التسجيل والتسريب قد يعرضها لمحاكمة عسكرية".
وأضاف الجمل: "أسأل السيسي وقيادات الجيش ومسؤولي أجهزة الأمن بأنواعها: هل لديكم توضيح لما يحدث؟ أم أن العيار فلت ومصر سابت كلابها على ديابها؟!".
وقال الصحفي محمد أبو الغيط عبر فيسبوك: "إذاعة تسريب لرئيس الأركان مسخرة تدل على تعامل الجيش حتى مع أكبر قياداته"، مؤكدا أن المخابرات الحربية التي كان رئيسها في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي هي التي سجلت هذه المكالمة وأعطتها لأحمد موسى ليذيعها.