عارض عدد من المحللين والخبراء الاقتصاديين
المصريين قرار وزارتي الاستثمار والبترول في حكومة عبد الفتاح السيسي بطرح شركة "إنبي" للصناعات البترولية في البورصة المصرية ضمن برنامج حكومي لطرح بعض
الشركات المملوكة للدولة بالبورصة.
واعتبر المعترضون على هذه الخطوة أن ما يحدث لشركة "إنبي" هو بيع لشركة مصرية ناجحة تشكل مصدرا للعملة الصعبة، وعبّروا عن تخوفهم من أن يكون بيع هذه الشركة بداية لبيع باقي الشركات الناجحة والمملوكة للدولة، مثل "بتروجيت" و"صان مصر" و"الإسكندرية للصيانة" و"شركة الحفر المصرية"، وغيرها.
"عربي21"، تحدثت إلى عدد من الاقتصاديين حول حقيقة موقف سلطات الانقلاب من بيع الشركات الرابحة، وبيان ما إذا كان هذا الإجراء مدفوعا بأوامر صندوق النقد، ومدى خطورة ذلك على الاقتصاد المصري.
"موجة جديدة من الفساد"
وفي هذا السياق، علّق أستاذ الاقتصاد بكلية التكنولوجيا والتنمية بجامعة الزقازيق، الدكتور مجدي ماجد، بقوله: "الحكومة في مصر تتبع في الفترة الحالية سياسة
الخصخصة ذاتها التي بدأتها حكومة عاطف عبيد، رئيس وزراء مبارك (1999 إلى 2004)، والتي ظلت على مدار خمس سنوات مدخلا لكبار المسؤولين بالدولة والقطاع العام لسرقة المال العام، ونهب أموال الشعب، وتلقي الرشوة من كبار المستثمرين، مقابل تقليل قيم الشركات التي بيعت إحداها بخمسة ملايين جنيه، بينما كانت قيمتها الفعلية عشرة مليارات جنيه"، كما قال.
وتوقع ماجد، في حديث مع حديثه لـ"عربي21"، "موجة جديدة من
الفساد"، مضيفا: "رغم أن الخصخصة نجحت في دول عديدة، وتنتهجها دول الخليج، ومنها السعودية اليوم، إلا أن تلك السياسة في مصر تتحكم بها عوامل كثيرة تنتهي بالفساد الحكومي والإداري، وتؤدي في النهاية لخسارة أملاك الشعب وأصول الدولة".
وتعجّب ماجد من لجوء الحكومة في مصر لخصخصة الشركات الكبرى، برغم فشل تلك السياسة سابقا، وقال: "إذا كانت تلك الشركات خاسرة، وتعاني سوء إدارة وفساد، فمن المفروض أن أدرس أسباب فشلها في ظل نجاح ما يماثلها بالقطاع الخاص، وإن كانت تلك الشركات المراد تخصيصها تحقق أرباحا، فمن المفروض أن أدعمها؛ لتغزو الأسواق الخارجية، وتضيف رصيدا بالعملات الصعب للاقتصاد المصري"، بحسب تعبيره.
"أتحدى أي مسؤول"
وحول احتمال وجود ضغوط من صندوق النقد على مصر لدفعها باتجاه الخصخصة، أشار ماجد إلى المادة 127 من دستور ما بعد الانقلاب، التي تنص على عدم جواز اقتراض الحكومة من أي جهة أو دولة إلا بعد الرجوع لمجلس النواب، وأكد أن "الحكومة خالفت نص الدستور، وأنه من المفروض أن ترسل خطاب نوايا البرلمان".
وقال: "أتحدى أن يكون مشروع القرض عُرض على البرلمان، وأتحدى أي برلماني أن يقول إنه على علم بهذا الخطاب، وأتحدى أي مسؤول يدّعي علمه بفروض الصندوق أو يستطيع إعلانها للشعب".
وأشار ماجد لشروط صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن المؤسسة الدولية لا تعطي أموالها اعتباطا، فهناك "فروض يجب تنفيذها مقابل تلك القروض"، على حد وصفه.
فرصة للأجانب
من جهته، أكد الكاتب والمحلل الاقتصادي، ممدوح الولي، أن بيع نسبة من أسهم بعض شركات البترول أعلنته وزيرة الاستثمار داليا خورشيد بالفعل، كما أعلنت عن بيع نسبة من بعض البنوك، منها بنك القاهرة والمصرف المتحد، وهو ما كرره محافظ البنك المركزي، "ومؤخرا دخلت بعض المستشفيات الحكومية المجال، حيث يجهزها وزير الصحة حاليا، كما تستعد وزارة قطاع الأعمال العام لاستئناف الخصخصة"، وفق قوله.
وأضاف الولي لـ"عربي21": "الخصخصة كانت مطلبا ضمن شروط الإقراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتبرر الحكومة ذلك بحاجتها للمزيد من السيولة، خاصة من العملات الأجنبية، في ظل العجز الذي تعاني منه، وضعف معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، وبعد التعويم ستكون تلك الأسهم أرخص بالنسبة للأجانب".
"تقترض لسداد ديونك"
وأكد المحلل الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أن حكومة الانقلاب أعلنت بالفعل عن وجود خطة لبيع عدد من شركات البترول والبنوك وشركات قطاع الأعمال العام؛ بهدف توفير سيولة دولارية تخفف من أزمة ضعف المعروض من الدولار وارتفاع سعره مقابل الجنيه المصري لمستويات قياسية (20 جنيها للدولار)، وتساعد في سداد القروض الخارجية أو سداد قيمة الواردات للسلع الاستراتيجية، خاصة القمح والذرة والسلع التموينية والوقود".
وأوضح عبد السلام، في حديث لـ"عربي21"، أن خطورة قرار سلطات الانقلاب ببيع بعض الشركات وطرحها بالبورصة أو خصخصتها لاحقا، رغم أنها ليست خاسرة (مثل بتروجيت وصان مصر والإسكندرية للصيانة وشركة الحفر المصرية)، "هو أنها تبيع أصول الدولة وتضر بالقيمة الحقيقة لاقتصادها لمجرد سداد ديون تتراكم، ولن تنهي بين يوم وليلة، أو حل أزمة قائمة قد يكون لها حلول أخرى، والأمر برمته كأنك تقترض لسداد ديونك، فما الفائدة؟"، وفق قوله.
ورأى أن "ما تقوم به سلطات الانقلاب، للأسف، معظمه يتم باتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط على الحكومات خفض الدين العام، وتقليل عجز الموازنة، ولذا فالانقلاب يبيع شركات رابحة حتى يحقق هذا الغرض، إضافة لسداد الديون الخارجية، ومنها قروض المؤسسات الدولية المُقرضة".
لمن تباع ومن يحدد السعر؟
وطرح الناشط السياسي، ممدوح حمزة، قضية "إنبي" عبر حساب الشخصية على تويتر، يوم الاثنين، معتبرا أن ما يحدث للشركة يعد بيعا لجهات ودول أجنبية. وتساءل عمن يحدد سعر أسهم الشركة، في إشارة لعمليات فساد تتضمن تخفيض تقدير قيمة الشركة وبيعها بثمن بخس، محذرا من أن "مصر في خطر".
وقال حمزة: "طرح أسهم الشركات في البورصة هو بيع لها، ولمن لا نعرفه، بمعنى أي جهة أجنبية ستشتري حتى حكومات أجنبية، ومن سيحدد سعر السهم؟"، كما قال.
وأضاف في تغريدة أخرى: "يبيعون شركة إنبي رغم: إدارة ناجحة، تربح وبالعملة، مهمة جدا لاكتشافات الغاز والزيت، تصدر الخبرة، أُنشئت في الأساس لتمصير خبرة صناعة البترول".
وتابع: "مصر أرضا وثروة وممتلكات وأصولا ومياه وشعبا وهوية وانتماء وسلاما اجتماعيا في خطر خطر خطر".
وشركة إنبي الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية، تأسست عام 1978 كشركة مساهمة مصرية، وتمتلك الهيئة المصرية العامة للبترول نسبة 97 في المئة من أسهمها. وعملت الشركة في الجزائر وليبيا والسعودية والسودان والإمارات، وارتفعت أرباحها بنسبة 19 في المئة خلال عام 2015.