لم تعرف منزلها الواقع على خط التماس في حي "جب الجلبي" بمدينة
حلب، حيث
الدمار والركام يُخيمان على المكان، والرصاص يخترق كل زوايا الأبنية، مُدللا على ضراوة المعارك التي شهدها الحي، إضافة إلى وجود عدد من "الطلاقيات" (الفتحات التي تصل الأبنية ببعضها في خطوط الجبهات التي يستعملها المقاتلون المعارضة للهرب من القناصين).
وتقول أم محمد لـ"
عربي21" إنّها بعد مسيرة بحث استمرت 25 يوماً، تمكّنت من معرفة منزلها، الواقع وسط الركام، حيث انتفت العلامات الفارقة في الحي، وبدت المنطقة برمتها كقطعة واحدة يُقسّمها الدمار، وركام المباني المتساقطة جراء غارات قوات النظام السوري على الأحياء الشرقية من المدينة في وقت سابق، والتي كانت إلى وقت قريب واحدة من أهم معاقل المعارضة في الشّمال السوري.
وتُشير "أم محمد" إلى أنّها لم تجد منزلها، بنفسها، وإنما بعد أن اهتدت إلى "دلال عقارات" في الحي، يملك سجلا للأرقام العقارية للمنازل في الحي، وأسماء أصحابها، حيث اهتدت إليه بالصدفة المحضة، بعد تجمع عدد كبير من الناس حول دكانه، المتواجد وسط ركام ثلاث أبنية، كانت تضم الواحدة منها 24 منزلا، لكنها تحوّلت بفعل
قصف قوات النظام إلى ركام، في آواخر عام 2015.
وأشارت إلى أنّ منزلها بقي صامد القوام، في دلالة على عدم تعرض الحجر فيه للتخريب، لكنه كان فارغا من كل شيء، من الأبواب، إلى الأثاث المنزلي، مروراً بصنابير المياه، حسبما تصف "أم محمد" الحالة التي آل إليها منزلها.
حال "أم محمد" كان أفضل من السيدة العجوز "أم خالد" التي تعذّر عليها العثور على منزلها حتّى الآن، بعد أن جالت بين حارتها الواقعة في منطقة "جب الجلبي"، حيث كانت تسكن فيه قبل اندلاع الاقتتال بين فصائل المعارضة وقوات النظام في المدينة، لكن الأهالي في الحي يُرجحون أن يكون منزلها قد تحوّل إلى ركام، حيث سقطت 16 بناية بفعل الغارات الجوية على الحي في وقت سابق، من أصل 20.
ويُقدر خبراء في إعادة الإعمار، كلفة الدمار في مدينة حلب بأكثر من 40 مليار دولار أمريكي، حيث فقدت ثلاثة أرباع المدينة، قدرتها على أن تكون موائمة للسكن، بسبب الدمار الذي أتى على معظم أبنيتها، إضافة إلى تعرض البنى التحتية فيها للدمار والخراب، وكذلك المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية؛ بسبب القصف العنيف لقوات النظام عليها خلال السنوات الست الماضية.
من جهته، عزا الناشط الحقوقي في مدينة حلب "محمد أبو مأمون" أسباب عدم معرفة الأهالي لمنازلهم في الأحياء الشرقية من المدينة، إلى الدمار الكبير الذي تعرضت له تلك الأحياء، إضافة إلى فقدان علامات الدلالة فيها، من مساجد ومحال تجارية، ومولدات كهربائية، التي تحوّل معظمها إلى ركام بفعل القصف.
ويشير الناشط الملقب بـ"أبو مأمون" إلى قيام دلالي العقارات في تلك الأحياء بمساعدة الأهالي على العثور على منازلهم، إضافة إلى معرفة المحاضر التي تعرضت إلى دمار بشكل كامل، حيث تقوم لجنة من البلدية في المدينة، بتعويض من خسر منزله بشكل كامل بنسبة 40% من سعر العقار، أي ما يُعادل ألفي دولار أمريكي.
مسؤول محلي في بلدية المدينة فضّل عدم ذكر اسمه أكد خلال حديثه لـ"
عربي21" على محاولة مجلس المدينة مساعدة الـأهالي في العثور على منازلهم، وتوثيق عقاراتهم من جديد، لكن ذكر في الوقت ذاته أن هناك بعض الميلشيات تقوم بإعاقة عملهم من خلال اعتداءاتها المتكررة على العقارات، وتغييرها لملامح العقار العامة.
وأشار المسؤول إلى بدء المجلس بشكل فوري بمساعدة من تضررت منازلهم بشكل كامل، لكنه أقرّ في الوقت ذاته بكثرة الأعداد، والروتين الذي يصحب العملية للوصول إلى الحصول على التعويض، بعد توثيق الأسماء لدى أقرب مخفر للعقار المتضرّر.