نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتبة رولا خلف، تقول فيه إن
روسيا أعلنت انتصارها في
سوريا، لكنها تبغض فكرة التورط فيها على المدى الطويل.
وتقول خلف إن "لسان حال روسيا يقول نحن دمرنا سوريا، هيا بكم أصلحوها.. وهذا هو الموقف الروسي الجديد تجاه سوريا، فبعد أكثر من عام من انضمام الطائرات الروسية لنظام بشار
الأسد وشريكتها إيران في تدمير المعارضة، فإن روسيا تقول إنها لن تشارك في شيء لإعادة بناء سوريا، وتقول للقوى الأوروبية، التي دعمت الثوار بفتور منذ أن بدأ الصراع قبل ست سنوات، تفضلوا أنتم واصلحوها".
وتضيف الكاتبة: "ليس غريبا أن يكون موقف موسكو هكذا، حيث رسم الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين خطته للتدخل في الشرق الأوسط، وأصر، بالرغم من وجود الأدلة، على أن تدخله في سوريا هو فقط لتقصف الطائرات الروسية الإرهابيين، وصور نفسه على أنه منقذ سوريا".
ويشير المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى ما قالته منظمة "هيومان رايتس ووتش" من أن القصف الروسي السوري على حلب خلال شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، تسبب بمقتل 400 مدني، وهو عمل يرقى إلى ارتكاب جرائم حرب.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم ذلك، فإنه ليست هناك محاسبة في الحرب السورية، والجانبان متهمان بارتكاب جرائم، حيث تمتعت روسيا وحلفاؤها بحصانة تامة، مشيرة إلى أنه كون بوتين وحلفائه فازوا على أعدائهم، فإنهم يستطيعون الاستمرار في الترويج لروايتهمِ.
وتعلق خلف قائلة إنه بعد خروج الثوار من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في شرق حلب نهاية العام الماضي، فإن النظام السوري أعاد سلطته على أربع مدن مهمة، ما أعطاه نفوذا على ما يسميه البعض سوريا "المفيدة".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الحرب لم تنته بعد: فالهدنة التي اتفق الثوار عليها لا تزال في وضع خطر، والمعركة لاستعادة الرقة في شمال سوريا من تنظيم الدولة لم تبدأ بعد، لكن تدخل روسيا في سوريا وضع حدا للموقف الغربي من بقاء الأسد في الحكم".
ويورد المقال أن أحد مسارات التفاوض مع النظام يجري برعاية روسية وإيرانية وتركية في الأستانة، والمسار آخر برعاية الأمم المتحدة في جنيف، مستدركا بأن ما لم يفت على سياسيي المعارضة هو أن "التحول السياسي" المتوخى لسوريا يركز على تركيبات جديدة "للحكم" والدستور، بدلا من الحديث عن خروج "الديكتاتور السوري".
وتذهب الصحيفة إلى أن "هذا الفقدان للقدرة على الضغط، بالإضافة إلى عدم وضوح نوايا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جعلا مؤيدي الثوار من الدول العربية والغربية يبحثون عن أوراق ضغط، وقد يكون موقف روسيا، الذي بدأ يتجلى بخصوص إعادة بناء سوريا، يوفر ورقة ضغط".
وتقول خلف: "أخبرني الدبلوماسيون من
أوروبا والأمم المتحدة والعالم العربي في الأيام الأخيرة بأن وسيلة الضغط الوحيدة من الآن فصاعدا، هي استخدام العروض بإعادة البناء لتقوية موقف المعارضة التفاوضي، وتنوي مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، عقد مؤتمر لإعادة إعمار سوريا".
وتضيف الكاتبة: "قال لي دبلوماسي: (يقول الأوروبيون للروس في كل فرصة ممكنة بأنهم إن كانوا يريدون المساعدة في إعمار سوريا، فإنه يجب إعطاء المعارضة مقعدا أكبر على طاولة المفاوضات)، وأوضح أن الأمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير سياسي كبير، سيقود أخيرا إلى صعود رئيس جديد، وإلا فإن الرسالة للروس هي: (أنتم دمرتموها.. عليكم إصلاحها)".
وبحسب المقال، فإن دبلوماسي آخر من الشرق الأوسط استخدم مثلا عربيا يقول: "على قمامته (مزبلته) يصيح الديك"، لإيضاح أهمية ورقة الإعمار، وقال: "إن تخلصنا من القمامة سيقع الديك".
وتقول الصحيفة: "لا أحد يشك بأن الأسد يفضل البقاء رئيسا على بلد محطم أكثر من عدم كونه رئيسا، لكن الرهان في أوروبا والشرق الأوسط هو أن يكون تفكير روسيا مختلفا، فكونها أعلنت انتصارها في سوريا، فإنها تبغض فكرة التورط فيها على المدى الطويل".
وتخلص خلف إلى القول: "يكون من الممكن التوصل مستقبلا إلى صفقة لإعادة البناء والتحول السياسي، لكن الحديث الآن عن إعادة البناء يبدو إغراقا في التفاؤل، فغالبا سيدمر المزيد من سوريا قبل إعمارها، ولا أحد مستعدا لأن يدفع الأموال لمأساة لا تزال تتكشف، وحتى لو اختارت روسيا دورا أوروبيا وعربيا أكبر في نتيجة سلمية، فإن بإمكان الأسد دائما أن يعتمد على إيران لمقاومة أي تحول، ولإبقاء الديك على القمة".