نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للمعلق أرون كيسلر، يتحدث فيه عن العلاقة المتطورة بين
مصر وسوريا، مشيرا إلى التقارير التي تحدثت عن نقل جنود مصريين إلى
سوريا، والمقاتلات الروسية التي كانت تقلع من قاعدة اللاذقية الجوية على الساحل السوري متوجهة إلى مطار عسكري على الحدود المصرية الليبية.
ويقول الكاتب إن الوجهة النهائية لهذه المقاتلات لم تكن روسيا، حيث كانت تنقل جرحى من جنود الجنرال الليبي خليفة حفتر، لافتا إلى أن هذه الرحلات الجوية تكشف أحد الأسرار، وهو أن مصر تدعم نظام بشار
الأسد.
ويضيف كيسلر: "لم يكن هذا التحول فجائيا، فمنذ وصول الجنرال عبد الفتاح
السيسي إلى الحكم، بعد انقلابه على نظام الإخوان، والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، فإنه أصدر سلسلة من التصريحات، وقام ممثلوه في الأمم المتحدة بتحركات أغضبت حلفاءه السعوديين، الذين دعموا انقلابه بأكثر من 25 مليار دولار أمريكي".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى حديث السيسي في تشرين الثاني/ نوفمبر مع صحيفة برتغالية، قال لها إن أولوية القاهرة هي دعم "الجيوش الوطنية في ليبيا مثلا"، وأضاف أن "الأمر ينسحب على العراق وسوريا"، وعندما سألته الصحيفة عما إذا كان يقصد النظام السوري، فأجاب "نعم".
ويعلق كيسلر قائلا إنه "اعتراف من نظام يعد حليفا تقليديا للولايات المتحدة بدعم نظام حليف للروس والإيرانيين، والوقوف إلى جانب رئيس يثير السخط؛ بسبب طريقة تعامله مع الثورة السلمية السورية، ومن هنا فإن السيسي هو أحد القادة العرب القلائل الذين لم يخفوا دعمهم الواضح لدمشق، التي علقت الجامعة العربية عضويتها منذ عام 2011، وكانت مصر قد أعادت العلاقات مع سوريا بعد الانقلاب على مرسي، الذي قام بقطعها، واتخذ موقفا متشددا من النظام السوري لبشار الأسد".
ويلفت الكاتب إلى أن "الموقف المصري ظل متسما مع ذلك بالحذر، حيث كان ينتظر ما ستؤول إليه الأحداث، ففي عام 2015 كان السيسي يقول لزاوره من الدبلوماسيين إنه يتوقع رحيل الأسد، إلا آن التدخل الروسي خريف ذلك العام جعله يعتقد أن سوريا لن تكون قوية دون الأسد، وبدأ الموقف المصري يعبر عن هذه الرؤية، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2016 عندما كانت مصر عضوا في مجلس الأمن، دعمت الموقف الروسي ضد قرار تقدمت به فرنسا يدعو إلى وقف فوري ومباشر للقصف الجوي على مدينة حلب، التي كانت تتعرض لعمليات قصف جوي مكثف من الطيران الروسي ونظام دمشق، وفي الوقت ذاته انضمت مصر إلى روسيا، مع الصين وفنزويلا، ودعمت مسودة معدلة للقرار تم حذف أي ذكر للمدينة منها".
وينوه كيسلر إلى ما كشف عنه الإعلام السوري المؤيد عن اجتماعات جرت على مستوى عال بين المسؤولين الأمنيين من البلدين، مشيرا إلى أن توجهات مصر السورية لم تفت عن حلفائه السعوديين، الذين اعتبروا تصرفها في مجلس الأمن مؤلما، وبادرت
السعودية بتعليق تصدير النفط إلى مصر.
ويتساءل الكاتب عن سبب هذا التوجه الذي يعرف السيسي أنه يضر بسمعة مصر الإقليمية وموقعها وعلاقاتها مع الحلفاء في الخليج واقتصادها المنهار، ويقدم عدة أسباب لذلك، تتمثل في الخلاف في النظرة للتهديد، فبالنسبة للسعوديين، فإن التهديد نابع من إيران والنظام السوري، أما دمشق والقاهرة فتريان أنه نابع من الإسلاميين وتنظيم الدولة والإخوان، لافتا إلى أن السيسي يقوم منذ انقلابه بملاحقة قادة وعناصر الإخوان وسجنهم، بالإضافة إلى أنه يواجه تمردا في سيناء، حيث قتل فرع تنظيم الدولة المئات من جنود الجيش المصري.
ويجد كيسلر أن "الأمر الثاني هو العداء المشترك الذي يجمع مصر وسوريا ضد تركيا ورئيسها رجب طيب
أردوغان، الذي يتجذر حزبه في الإسلام السياسي، ويعد أردوغان منذ عام 2013 من أكبر أعداء السيسي، واستقبل قادة الإخوان، وسمح لهم بفتح عدد من القنوات التلفازية المعارضة للنظام المصري، وعلى الجانب السوري، استقبلت تركيا منذ اندلاع الثورة الملايين من اللاجئين السوريين، وانضمت للمعسكر المعادي للأسد، حيث دعمت الجماعات المعارضة له، وطالبت حتى وقت قريب برحيله".
ويفيد الكاتب بأن ما يجمع النظامين هو العلاقة مع روسيا، حيث أدى توتر العلاقات مع إدارة باراك أوباما السابقة إلى دفع نظام السيسي إلى أحضان موسكو، التي وقعت معها صفقات أسلحة.
ويبين كيسلر أنه اكتشف في زيارة له إلى مصر أن عددا من المصريين الذين تحدث معهم يدعمون التقارب مع سوريا، إن بشكل تكتيكي أو صريح.
ويعلق الكاتب قائلا: "صحيح أن هؤلاء كانوا سيرحبون برحيل الأسد بالطريقة ذاتها التي أجبر فيها حسني مبارك على التنحي عن السلطة بعد ثورة شعبية، إلا أن الشرق الأوسط عام 2017 يختلف عما كان عليه في بداية الثورات العربية عام 2011، ففي مصر قادت الثورة إلى حالة من الفوضى وصراع بين الجيش والإخوان المسلمين، أما في ليبيا واليمن وسوريا فعمت الفوضى، وتحولت هذه الدول إلى دول فاشلة".
ويخلص كيسلر إلى القول إن "حالة الإجهاد في مصر قادت الكثيرين إلى دعم الاستقرار على حساب الحريات الشخصية".