حالة من الترقب تسود الأوساط القضائية في مصر، في أعقاب رفض مجلس القضاء الأعلى مشروع قانون لتعديل طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية.
ويتضمن مشروع القانون الذي قدمه إلى البرلمان وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ترشيح الجمعيات العمومية للهيئات القضائية ثلاثة أسماء ليختار رئيس الجمهورية من بينهم، بعدما كانت الجمعيات العمومية ترشح أقدم الأعضاء، ويُرسل اسمه لرئيس الجمهورية للتصديق عليهم.
وعقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعا، الأحد، لمناقشة مشروع القانون، وشدد على تمسك القضاة بطريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية الواردة في قانون السلطة القضائية الحالي، والذي ينص على مبدأ "الأقدمية في الاختيار".
ماذا وراء مشروع القانون؟
من جهته؛ قال وزير العدل الأسبق، المستشار أحمد مكي، لـ"عربي21"، إن "ما رشح من أخبار؛ أن هناك اعتراضات من أجهزة بالدولة على أسماء بعينها، كنائب رئيس محكمة النقض، المستشار أنس عمارة، ونائب أول رئيس مجلس الدولة، المستشار يحيى دكروري. والمستشار دكروري هو الذي أصدر حكما ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي بموجها تم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية".
وشدد مكي على أن "الدساتير المصرية تنص على أنه يجب عدم تدخل أي سلطة في القضاء، أو في شؤون العدالة المعنية بتعيين القضاة وتسيير شؤونهم". لكنه استدرك قائلا إن "القضاء في مصر غير مستقل، ويدرك القضاة أنهم غير مستقلين الاستقلال اللائق بهم؛ لأن هناك تأثيرا على أحكامهم، وتشويها لصورهم، وهذا القانون يأتي لانتزاع ما تبقى من استقلال"، وفق تقديره.
وحول إمكانية أن يمضي برلمان السيسي قدما في إقرار القانون، قال مكي: "رأي مجلس القضاء الأعلى استشاريا، وليس إلزاميا. وقانونا لا يجوز لمجلس الشعب مخالفة الدستور، ولكننا في مصر يمكن مخالفته، فالدستور لم يكن يسمح لرئيس الجمهورية عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات"، في إشارة إلى عزل رئيس الجهاز المستشار هشام جنينة، بعدما تحدث عن فساد بمئات المليارات في أجهزة الدولة.
لا وصاية على البرلمان
وفي المقابل، دافع عضو اللجنة التشريعية والقانونية ببرلمان السيسي، خالد حماد، عن حق النواب في تقديم مشروعات القوانين التي يرون فيها مصلحة للجهة التي يخصوها بها، وقال لـ"عربي21": "مجلس القضاء الأعلى ليس له وصايا على البرلمان، ولكننا نسعى لما فيه صالح القضاء".
واستدرك بالقول: "لكن على مجلس النواب عندما يسن قوانين تتعلق بمهنة، أو هيئة، أن يراعي رأي (أصحابها)، وإذا كان مجلس القضاء الأعلى قد رفض هذا المشروع بقانون، فرأيه يجب أن يؤخذ في الاعتبار"، مشيرا إلى أن "مشروع القانون حتى الآن لم يُناقش في الجلسة العامة للبرلمان".
وكانت اللجنة التشريعية بمجلس النواب قد أحالت مشروع القانون إلى الهيئات القضائية لإبداء رأيها فيه، وفقا للدستور، وقد سبق ورفض مجلس الدولة مشروع القانون في حزيران/ يونيو الماضي.
أداة للاستبعاد والمعاقبة
أما نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار ناجي دربالة، فاعتبر مشروع القانون "محاولة للقفز فوق القاعدة المتبعة في القضاء لاختيار رؤساء الهيئات القضائية، خاصة بعد أحكام القضاء ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، لا سيما أن القاضي يحيى دكروري (الذي أصدر القرار) هو المرشح لتولي رئاسة مجلس الدولة (أعلى هيئة قضائية إدارية في مصر) في تموز/ يوليو المقبل".
وقال دربالة لـ"عربي21": "في تصوري أن مشروع القانون هو لخلق أداة لمعاقبة بعض القضاة الذين أصدروا أحكاما على غير هوى السلطة"، مضيفا: "إنه افتئات على حق القضاة في اختيار رؤسائهم، فعندما يكون الاختيار بيد رئيس الجمهورية فعلى من سيصيبهم الدور ألا يغضبوا الرئيس حتى ينالوا ترشيحه، ورضاه"، على حد تعبيره.
وأعرب عن اعتقاده بأن ما يحدث سيكون ارتداده "على ما يمكن اعتباره تكريسا لاستقلال القضاء"، وطالب "القضاة الممثلين في ناديهم بأن يتصدوا لرفض مثل مشروع هذا القانون". متسائلا بأنه "إذا كانت الجمعيات العمومية غير العادية لا تجتمع في مثل هذه الحالة، فمتى تجتمع؟"، وفق قوله.
المستفيد والمستحق
ولم يستبعد المحلل السياسي، سيد أمين، دخول القضاء والبرلمان في سجال في حال أصر الأخير على تمرير مشروع القانون. وقال لـ"عربي21": "أتصور أن رفض مجلس القضاء الأعلى مشروع مجلس نواب السيسي لإعادة تشكيله، وتمسكه بالأقدمية في اختيار رؤساء الهيئات، هو مجرد حلقة من حلقات الصدام".
وأضاف: "ولا يمكننا أن نعتبر الرفض حسما للمعركة؛ وذلك لأن كثيرا من القضاة عليهم مآخذ من قبل الأجهزة الأمنية التي يديرها السيسي، وقد يتم إجبارهم في نهاية المطاف للرضوخ لرغباته إما بالتهديد، وإما بالقتل كما حدث مع المستشار وائل شلبي"، وفق تقديره.
واعتقل شلبي، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لمجلس الدولة، في مطلع كانون الثاني/ يناير بعد اتهامه بتلقي رشاوى. وفي الثاني من الشهر ذاته، أعلنت السلطات أنه انتحر في محبسه.
كما أشار أمين إلى أن "هناك أيضا قضاة كثر مقربون من السلطة سيستفيدون من إلغاء نظام الترقية بالأقدمية، وهو ما سيفتح لهم الأبواب لاعتلاء أعلى المناصب، وبالقطع سيدافعون باستماتة عن مشروع السيسي"، كما قال.