اندلع جدل ساخن في
مصر بين "الدعوة السلفية" من جهة، ومرجعيات "أزهرية" من جهة أخرى، على خلفية حكم الاحتفال بمناسبة "
عيد الأم"، الذي يوافق اليوم الثلاثاء، في وقت أفتى فيه المفتي السابق لمصر، علي جمعة، بأن "ابن أمه" له الجنة، وراسل فيه معارض مسجون، أمه، مطالبا إياها بالدعاء له.
"المناسبة بدعة"
وجاءت شرارة البداية لهذا الجدل، نتيجة افتعال الإعلام الموالي للانقلاب له، واستغلال استخراج فتوى قديمة لبرهامي، حول حكم الاحتفال بـ"عيد الأم"، قيل إن الموقع الرسمي للدعوة السلفية قد نشرها، وفيها وصف برهامي لمناسبة عيد الأم، بعيد الكفار، معتبرا أن الاحتفال به حرام، وأنه لا يجوز للمسلمين المشاركة فيه.
وردا على سؤال عن حكم الاحتفال بعيد الأم، أجاب برهامي بفتوى نصها: "بر الأم من الواجبات العينية، ولا يُعرف عند المسلمين هذا العيد، فهو من البدع المستوردة من الكفار، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وفي الحديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"".
من جهتها، أصدرت "الدعوة السلفية" بالإسكندريه فتاوى بتحريم الاحتفال بالمناسبة، منها فتوى أصدرها أبو يحيى الحويني، قال فيها: "الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية.. كلها أعياد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤوها من غير المسلمين أيضا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى".
وأشارت "الدعوة السلفية" إلى أن الأعياد الشرعية في الإسلام معلومة للجميع، وهي: عيدا الفطر، والأضحى، وعيد الأسبوع "يوم الجمعة"، مشيرة إلى أن "كل أعياد أُحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في الشريعة الإسلامية".
"الحكمة من الشيطان"
في المقابل، نشر الإعلام الموالي للسيسي، هذه الفتاوى، وهاجمها بشدة، مسفها أصحابها.
وهاجم عضو مجمع البحوث الإسلامية، عبد الله النجار، فتوى برهامي، قائلا: "يحرم عليه هو؛ لأنه لو يعتقد ذلك يبقى حرام عليه، لكن لا يلزم به غيره، فليخاصم أمه إن كانت حية، وإن كانت ميتة فلا يدعو لها".
وأضاف، في مداخلة لبرنامج "صالة التحرير"، عبر فضائية "صدى البلد": "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، والشيطان نفسه قد يكون لديه شيء من الحكمة، فالشيطان لو قرأ القرآن تُؤخذ منه الحكمة"، بحسب وصفه.
واتهم النجار برهامي، بأن لديه قصورا في الفهم، متابعا: "بيقول بدعة مستوردة من الكفار.. طيب ما التليفون والجلابية والميكروفون من صناعة الكفار"، مشيرا إلى أن الإسلام أوجب بر الوالدين، وأكرم الأم بمنزلة خاصة.
وشدد على أن الإفتاء بتحريم الاحتفال بعيد الأم حرام، وأنه لا يجب العمل برأي برهامي، ومن على شاكلته، وفق قوله.
ووجه رسالة لبرهامي قائلا: "فتواك خليها لنفسك فقط، وعلمك على نفسك، وعليك مخاصمة والدتك إذا كانت حية، وإذا كانت مُتوفاة لا تدع لها، وحسابك عند الله".
"احتفاء جائز"
ودخل المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، مجدي عاشور، على خط المواجهة مؤكدا أنه يجوز تخصيص يوم للأم، وجعله يوما محددا في العام، متابعا: "الأم هي التي تمد الشخص بكل شيء في حياته، بينما الأب يحقق العامل الاقتصادي". وأضاف، في تصريحات له، أن الاحتفاء بالأم يتطلب الطاعة لها.
وتناول المفتي السابق لمصر، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، علي جمعة، الموضوع في برنامجه "والله أعلم"، عبر فضائية "سي بي سي".
وردا على سؤال إحدى المتصلات حول ما يقوله الناس عمن يدعونه "ابن أمه"، مقللين من شأنه، قائلا: "إن الذي يُطلق عليه مصطلح "ابن أمه"، سيكون من أهل الجنة".
وأضاف أن "ابن أمه من أهل الجنة، وكل واحد ليس "ابن أمه"؛ يكون عاقا، ومن أهل النار".
تأجيج الجدل
من جانبهم حاول الإعلاميون الموالون للسيسي تأجيج الجدل الدائر حول "عيد الأم".
وهاجم جابر القرموطي، برهامي، قائلا: "يا جماعة عيب، خليتم العيشة هباب"، وأضاف، في برنامجه "آخر النهار"، عبر فضائية "النهار": "أنا عاوز أعرف الدكتور ياسر برهامي بيقول لأمه إيه في عيد الأم، ما ينفعش التحريم ده".
"الله يسامحك يا مصر"
في المقابل، أعاد الفنان المناهض للانقلاب العسكري، عبد الله الشريف، نشر مقطع فيديو بمناسبة يوم الأم، وجه فيه رسالة صوتية لمصر تحت حكم الانقلاب، تحت عنوان "الله يسامحك".
وقال: "عيد أم إيه اللي أنتِ عاوزة تحتفلي بيه؟، قولها عيالك ماتت في شوارعك، قولها عيالك مدفونين بالحيا في معتقلاتك، عيالك تايهين في حواريكي.. مسحولين عشان لقمة العيش".
وتابع: "على فكرة أم صاحبي كمان بتسلم عليكي، وبتقولك شكرا يا أم الدنيا، قولها إن الصورة دي (صورة شهيد في حضن أمه) مش حتطلع من خيالي ليوم الدين، وبيشوفها، وهو صاحي، وهو نايم، وبيفكر بيها الناس".
واستطرد: "طعم المر اللي في الدنيا كله معشش في الصور دي، وفي الآخر تقولي عيد الأم.. "عيد أم" إيه بس روحي يا شيخة: الله يسامحك".
رسالة معتقل
وغير بعيد، أرسل المعتقل أحمد الخطيب، المحبوس احتياطيا على ذمة مناهضة الانقلاب، رسالة مُبكية إلى والدته من داخل السجن، وفق نشطاء، أعلن فيها خوفه من الموت، بعد إصابته بمرض غريب يشتبه الأطباء أنه "سرطان الدم".
وقال الخطيب في رسالته لوالدته: "أمي قد اشتقت إليك كثيرا.. عذرا إليكِ عن ذلك الواقع الأليم الذي قد أحاط بنا، وفرض علينا من الأمور ما لا نحب.. فلا تبك.. فقطرات دمعك تحدث من الأنين صدى في صدري".
وأضاف: "أكتب إليكِ كلماتي هذه، وقد تاهت مني، وأصبح قلمي متلعثما في كلمات ضعيفة.. لكن أنتم حديث قلبي ولساني .. لقد أصبحت الآن بعد طول المكوث هنا في هذا المكان البالي العفن في حالة من التشويش والهذيان.. ولبست ثوبا قبيحا يائسا لا أحب المكوث فيه في ظل ظلمة ليل بليد كثرت فيه الآلام".
وأضاف: "خائف أنا.. ليس من المرض، ولكن أن أظل هنا، وأموت بين جدران هذه الزنزانة البالية، وأصبح فقط مجرد رقم في تعداد الموتى.. يرفض عقلي التفكير في أن أموت هنا بعيدا عنك يا أمي وأخوتي".