لجأت السلطات
المصرية، في الساعات الأخيرة، إلى اتباع أساليب "التهدئة"، وفق مراقبين، بهدف نزع فتيل
التوتر الذي شهدته علاقتها مع
السودان، أخيرا، وبلغ ذروته بتصريحات أطلقها وزير الإعلام السوداني، المتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال عثمان، وردود الفعل العنيفة من قِبل إعلاميين، ونواب مصريين، عليها.
وتمثلت التهدئة المصرية في عدد من الخطوات أبرزها اتصال هاتفي من قِبل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بنظيره السوداني، إبراهيم غندور، وصدور بيان مشترك للوزارتين، نصَّ على عقد جولة للتشاور السياسي بينهما، في شهر نيسان/ أبريل المقبل، وكذلك الاتفاق على ما يُسمى "التعامل المكثف مع أي إثارة إعلامية".
وتأتي تلك التطورات في أعقاب ما دعاه السودان "حملة مصرية ممنهجة ضده من بعض وسائل الإعلام المصرية غير المسؤولة".
وفي مقابلها، قالت وسائل إعلام سودانية إن الحكومة في الخرطوم منحتها "الضوء الأخضر" للرد على ما وصفته بـ"التطاول على السودان، وشعبه، وحضارته".
مبادرة اتصال شكري
والأمر هكذا، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصري، أحمد أبو زيد، في مداخلة هاتفية عبر برنامج " المصري أفندي"، بفضائية "القاهرة والناس"، مساء الثلاثاء، أن سامح شكري، قام باتصال هاتفي مع نظيره، إبراهيم غندور، للتأكيد على أن التصعيد غير مرغوب فيه، وأنه لا بد من تحديد حل للخروج من الأزمة.
وتابع أبو زيد: "من المؤسف والمقلق للغاية أن يتم الدخول في سجال على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائل الإعلام بين الأشقاء المصريين والسودانيين"، مشدَّدا على أن ما يحدث عبر الإعلام لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن مواقف الدولتين أو الشعبين، على حد وصفه.
جولة للتشاور السياسي
ومن جهتيهما، أصدرت وزارتا الخارجية في كلا البلدين بيانا مشتركا، كشفتا فيه أن الوزيرين المصري والسوداني اتفقا على عقد جولة التشاور السياسي المقبلة بالخرطوم، على مستوى وزيري الخارجية، خلال النصف الأول من شهر نيسان/ أبريل المقبل.
ولم يحدد البيان موضوع هذا التشاور السياسي، إلا أن البيان المشترك قال أيضا إن الوزيرين اتفقا على الالتزام بتحسين العلاقات بين البلدين، وعلى "ضرورة العمل المتواصل على توثيق أواصر التعاون والتضامن والتنسيق المشترك، والمضي قدما نحو تنفيذ برامج التعاون التي تم إقرارها خلال اجتماعات اللجنة الرئاسية العليا الأخيرة برئاسة الرئيسين: عمر حسن أحمد
البشير، وعبد الفتاح
السيسي".
وأضاف البيان أن الوزيرين "أكدا رفضهما الكامل للتجاوزات غير المقبولة أو الإساءة لأي من الدولتين أو الشعبين الشقيقين، تحت أي ظرف من الظروف، ومهما كانت الأسباب، أو المبررات".
وشدد الوزيران، في البيان، أيضا، على ضرورة تكثيف التعامل بأقصى درجات الحكمة مع محاولات الإثارة والتعامل غير المسؤول من جانب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية، الذين يستهدفون الوقيعة والإضرار بتلك العلاقة بما لا يتفق وصلابتها ومتانتها والمصالح العليا لشعبي البلدين الشقيقين"، وفق البيان.
تغيير في الخطاب المصري
إلى ذلك، لوحظ، بجانب تلك الخطوات الدبلوماسية، الجنوح إلى التهدئة، في تعليقات إعلاميين وبرلمانيين مصريين، في خلال الساعات الأخيرة، وذلك بعد هجوم سابق حاد وصل إلى حد تشكيك الإعلامي، محمد علي خير، في وجود السودان أصلا، أيام الفراعنة (...)، وتأكيد أعضاء في البرلمان المصري، أن السودان كلها كانت جزءا من مصر، وأن مصر تحتضن حاليا ما يقرب من 4 ملايين سوداني.
وفي هذا الصدد، وصف رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، اللواء كمال عامر، العلاقات بين القاهرة والخرطوم، بأنها "تمتد لأعماق التاريخ".
وكتب النائب والإعلامي المقرب من السلطات، مصطفى بكري، عبر حسابه بموقع "تويتر": "مصر والسودان بلدان شقيقان، شعب واحد شرب من ماء النيل، وجمعت بينهما قواسم مشتركة لا يمكن تجاهلها، للسودان منزلة في قلب كل مصري، ولمصر منزلة في نفس كل مصري"، مضيفا: "القواسم المشتركة تجمعنا، والآمال الواحدة هدفنا".
وتابع بكري، في تغريدته: "يجب وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين فورا، وترك الأمر للقيادتين.. السودان عمق استراتيجي لمصر، ومصر كذلك بالنسبة للسودان.. والمستفيد من التصعيد هم أعداء الأمة"، وفق قوله.
في السياق نفسه، كتب رئيس تحرير صحيفة "الشروق" المصرية، عماد الدين حسين، مقالا، الأربعاء، بعنوان: "العابثون بعلاقات مصر والسودان"، أقرَّ فيه بأن "الكتابات المصرية بشأن السودان كانت شديدة التفاهة، وتفوح منها روح عنصرية"، بحسب تعبيره.
وأضاف أن "ما لا يعلمه هؤلاء أن هذه الإساءات لا يمكن نسيانها بسهولة، ولم يتعظ بعض الإعلاميين السذج من درس معركة أم درمان عقب مباراة مصر والجزائر وقتها، وهي المعركة التي سببت جرحا غائرا لا تزال بعض آثاره موجودة حتى اللحظة"، وفق قوله.
خلفيات الأحداث
حفلت الأيام والأسابيع الأخيرة، بعدد من الأحداث المهمة، في العلاقات بين مصر والسودان، مما تسبب في تعكير الأجواء بين نظامي الحكم في البلدين.
فقد اتهم السودان، مصر، بأنها تقدم دعما عسكريا إلى جنوب السودان؛ كي تجبر السودان على الوقوف معها، في قضية سد "النهضة" الأثيوبي، لكنها تؤثر بذلك على الأمن القومي السوداني.
وكشف الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، عن مطالبة وزارة الخارجية السودانية لنظيرتها المصرية، أخيرا، بكشف ملابسات اعتقال وتوقيف سودانيين بالقاهرة، مؤكدا وجود 20 سودانيا في السجون المصرية، في تهم بارتكاب جرائم جنائية مختلفة.
وفيما وُصف بأنه أخطر تحركاتها ضد مصر، شكلت السودان، قبل أيام، لجنة لدراسة ملف مثلث حلايب وشلاتين مع مصر، في إشارة واضحة لاتجاهها نحو التصعيد، إذ كشف رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود السودانية، عن تكوين لجنة سودانية بشأن المنطقة، وكيفية إخراج المصريين منها، عبر الطرق الدبلوماسية.