تعتبر المرحلة الممتدة منذ ما بعد سقوط جدار برلين وما تبعه من سقوط للشيوعية ومنظوماتها الفكرية السياسية ولغاية العام الحالي (أي ما بين 1989 - 2020) مرحلة نموذجية لإسقاط " المنطق الهيجلي" عليها من حيث "جدلية النقائض". فمع ذلك الانهيار ولدت متواليات الاهتزاز، فولدت "العولمة" مندفعة بمصطلحاتها وأدواتها ومنطلقاتها الفكرية والسياسية والتكنولوجية والاقتصادية والفنية...الخ. وفي تجلياتها الأولى في التسعينيات اصطبغت تلك العولمة بصبغة "الأمركة"، لكنها حملت في أحشائها نقيضها، فانبعثت نزعة "هويّاتية" منذ البدء، فكانت حروب التسعينات التي غلبت عليها صفة الحروب الأهلية، كما ميّز الصراع على الإسلام غالبها، كالحروب البلقانية (البوسنة وكوسوفو) والحرب في الشيشان وأفغانستان ثم الحرب على العراق (1991)، والتي فتحت الطريق للاستسلام الكبير في مؤتمر مدريد الذي قاد إلى مفاوضات واشنطن ثم أوسلو، فكانت هناك انبعاثات، ليس فقط لأشكال جديدة من المقاومة الفلسطينية، التي أخذت تجلياتها الأوسع في "انتفاضة الأقصى"، ومن هنا دلفت إلى حروب غزة الثلاث.
يقود الكيان الصهيوني منذ 2011 حالة "الثورة المضادة" بأدوات عربية، وأصبحنا نعلم ومن دون حاجة إلى مزيد من البراهين؛ أن ما يزيد على نصف الدزينة من الدول العربية "المعتدلة" إنما هي في الحقيقة "إسرائيلية" التوجّه والسياسات
إن أهم ما تنطوي عليه نتائج أي تحدٍّ هو خاصية "الخلخلة"؛ خلخلة الوضع وإعادة ترتيبه، وهناك علاقة وثيقة بين القوانين التي تحكم الظواهر الكونية وتلك التي تحكم عالم الإنسان.
إذا دقق المرء في المعطيات الراهنة فيما يسمى "الشرق الأوسط"، وفي الدمّل السرطاني المستفحل فيه المسمى "إسرائيل" لا يلبث أن يكشف أننا سنكون شهودا على لحظة النهايات الوشيكة.
المراوحة في هذه الوضعية وعدم الوضوح (ولا أريد أن أقول الحسم) السياسي هو ما يمد في عمر التشرذم والتبلد السياسي. وكما تحتاج المقاومة إلى البسالة والإبداع وتطوير وسائلها وتكتيكاتها المقاوماتية، تحتاج أيضا إلى نفاذ البصيرة وموقف سياسي صحيح
ما الذي تبقى من فتح؟ خاصة وأنها نسخت برنامجها الأصلي "التحرير"، والآن على وشك تخليها عن هدفها التالي: "حل الدولتين"، كما أنها افتقدت لنوع القيادات الكاريزمية.. فماذا بقي من فتح بعد غياب البرنامج وغياب القيادة؟!