الحاصل أن هذه الأنظمة خطرة حتى على الشعوب التي تحكمها، فهي أنظمة مرهونة لعناصر قوّة خارجية، في حين تقوّض كل عناصر القوّة الداخلية المستدامة، وتؤدي أدوارا وظيفية في هذه السياق على حساب الشعوب التي تحكمها
لا ينبغي السجال في الدور الخطير لاتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية؛ في تسهيل التطبيع بين "إسرائيل" وبين الدول العربية، والذي ينكر ذلك هو إمّا متعنت أو مجنون، ولكن القول إن الفلسطينيين هم الذين فتحوا بوابة التطبيع قول خاطئ، وتخطئته لا تتناقض مع ما تقرّر في مطلع هذه المقالة
إذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ وأن تكون "إسرائيل" أقرب إلى الحاكم العربي من شعبه، فالطيور على أشكالها تقع، وحتى "إسرائيل" صارت تتعلم من الأنظمة العربية، وتعتقل على مجرد منشور على موقع "فيسبوك"!
يسعى هؤلاء والذين كثير منهم، يدينون الجريمة وفاعلها، للبحث عن سبب يجعل "خاشقجي خطيرا" كي يلاحقه ذلك الحاكم ويقتله، ثم هم يرفضون في الوقت نفسه أن يكون الغباء المكشوف في التنفيذ غير مقصود، فيذهبون بعيدا للبحث عن أسباب مقصودة دعت الحاكم لتنفيذ هذه العملية بهذا الشكل الذي بدا غبيّا!
أن يكون هذا مصير الرجل الواقعيّ الهادئ المحافظ، المقرّب في بعض الوقت من نظام بلده، فليس لهذا من معنى سوى أن الواقعية المطلوبة قد تكون في عكس هذه الواقعية المتوهمة، وأن الخلود لكرامة الإنسان، لا لمصالحه الفانية!
هذه الردود تأخذ طابعا خطابيّا، بافتراضها ما هو غير موجود ثم الأخذ في الاعتراض عليه، أو في تجرّدها من البناء المنطقي، والذي يتطلب ابتداء تخليص حماس من كل مآخذها وبراهينها. فأمّا إلزام تلك الردود حماسَ بمواقف مجرّدة عمّا تدعيه وتحتج به، فلا معنى له، إذ لا حجة في هذا المرسل من القول
لا ينفي ذلك أنّ حماس تتحمل قدرا كبيرا عن سوء الفهم الذي يقابلها بها الكثيرون ممن يفترض أنهم محبون في الأصل أو قريبون، كما أن ممارستها لا تخلو من أخطاء فادحة في مجالات ومسارات متعددة، وذلك كلّه يستوجب نقدا جادّا غايته التصحيح في إطار ظروف الحركة ومسؤوليتها
في الناس، من يبدو كارهًا لشعبه، مزدريًا لفعله ونضاله وإنجازاته، مؤلهًا لعدوّه، مع أن مقاومة هذا الشعب ـ منذ أن كانت مقاومته وفي كل مراحلها ومحطاتها ـ من أعظم ما فعلته البشرية.
وإذا كان الأمر كذلك، فهذه قضيتنا، تفرض علينا تحديات مثيلة وشبيهة. وهذا عدونا، وإذا كانت عوامل انحطاطه في ما سلف بيانه، فالواجب أن نبدأ بالتخلص من مثيلاتها في قوانا وحركاتنا وفصائلنا، وهذا أهم ما يمكن أنّ نسرّع به بدورنا تحطيم مشروع عدونا، وأن نستعد به لانهيار ذلك العدو!
المعاناة الفلسطينية، قائمة في ذاتها، ولا تحتاج لفحص صدقيتها أو عمقها أو درجتها معاناة أخرى تُقارن بها، فما كان قبل الثورات العربية ظلّ موجودا بعدها، سواء معاناة الفلسطينيين، أو الاحتلال الإسرائيلي بطبيعته الإجرامية..
إنّ أول خطوة في التفكير الصحيح، أن يرى أحدُنا طوائفَنا وجماعاتِنا ومذاهبَنا من دخالها، باعتباره واحدا من هذه المنظومة، لا من خارجها ولا من فوقها، وأن يحترم مخالفيه، فيراهم أكثر من دراويش، وأنّ لهم ما يقولونه..
أمّا وقد وُهب الناس النسيانَ، فقد صدق من حسبَ الأيامَ تطوي كلَّ غريبة، وتنسي محدثاتُها كلَّ مصيبة، بيد أن محدثات الأيام وهي تتبع بعضها بعضًا؛ قد لا تقوى على بعض من ماضي المصائب سوى أن تنحت في جسدها، فتُضعف منه، دون أن تصهره، وفي هذا من الوجع ما لا يدركه إلا من عاناه، أو تفكّر فيه بالقدر اللائق به من التفكرّ، فلا أنت بالذي تستغرقه المصيبة حقّ استغراقها، ولا أنت بالذي ينساها، فتجمع إلى ألمها ذنب التقصير في حقّها، فكيف وهي نهاية مَثَلٍ على أفاعيل بنات الدهر في الذين يتخذهم الله من الطيبين لابتلائه؟! ثم خُذ بعد ذلك منهم سببًا للتفكّر في حكمته –جلّ وعلا- وما فيها من سرّ إرادة هذا الوجود. فكيف وقد أُضيف إلى ذلك أن كان هذا المثل قد بسط لك من بياض كفّيه ما يُعجز بياض نفسك وفاء وامتنانًا؟! وهذا قليل من حكايتي مع سحر المصري.