أظهر الاستفتاء الشعبي الذي أجري في تركيا في السادس عشر من أبريل/نيسان الجاري مدى الوقاحة الكامنة في نفوس كثير من المسؤولين والسياسيين والإعلاميين الأوروبيين، وكشف عن حقيقتهم وعدم احترامهم لإرادة الشعوب، بعد أن صدعوا رؤوسنا لسنين طويلة وتغنوا بضرورة احترام الديمقراطية.
الجنون الذي أصاب الأوروبيين بسبب الاستفتاء الشعبي أفقدهم الوعي والاتزان، ودفعهم إلى الانحياز السافر للجبهة الداعية إلى رفض التعديلات الدستورية، بل ذهب بهم إلى أبعد من ذلك، وجعلهم يطلقون تصريحات مليئة بتهديدات موجهة إلى تركيا وشعبها ورئيسها.
لم تقف أوروبا في الخامس عشر من يوليو / تموز الماضي إلى جانب الديمقراطية، بل كانت تتمنى أن تنجح محاولة الانقلاب التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي لإسقاط الحكومة المنتخبة. وأعرب أحد الإعلاميين الأوروبيين آنذاك عن حسرته لفشل المحاولة قائلا إن الانقلابيين ارتكبوا خطأ قاتلا حين تركوا رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان على قيد الحياة، ولم يسيطروا على جميع وسائل الإعلام.
الجبهة الرافضة للتعديلات الدستورية نظمت قبل الاستفتاء الشعبي فعاليات مختلفة في أنحاء أوروبا، لدعوة أبناء الجاليات التركية إلى التصويت بــ"لا". ولم تكن تلك الفعاليات التي تم تنظيمها تحت حماية قوات الأمن خالية من مشاركة عناصر المنظمات الإرهابية والتهجم على تركيا ورئيسها. وكانت أبشع صورة ظهرت في تلك الفعاليات لافتة كبيرة رفعت أمام مبنى البرلمان في العاصمة السويسرية برن، في مظاهرة شاركت في إقامتها منظمات إرهابية كحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري. وكانت على اللافتة صورة أردوغان، بالإضافة إلى صورة مسدس موجه إلى رأس الرئيس التركي، وكتبت تحتها باللغة الإنجليزية: "اقتلوا أردوغان". وظلت تلك اللافتة الكبيرة التي تدعو بشكل علني إلى قتل رئيس دولة منتخب مرفوعة أمام البرلمان السويسري طوال المظاهرة بمباركة قوات الأمن التي لم تحرك ساكنا لإنزالها.
وفي منتصف الشهر الجاري، أرسل الاتحاد الأوروبي إلى تركيا فريقا لمراقبة عملية التصويت في الاستفتاء الشعبي، واتضح أن عددا من أعضاء الفريق مؤيدون لحزب العمال الكردستاني، وعلى صلة بالمنظمة الإرهابية، ودعموا الحملات الداعية إلى رفض التعديلات السدتورية. ثم كتب هؤلاء المراقبون، أنصار المنظمة الإرهابية، تقريرا حول الاستفتاء الشعبي، وادَّعوا فيه بأن عملية التصويت شابتها مخالفات.
الباحث والدبلوماسي الفرنسي فيليب مورو ديفارج، خبير العلوم السياسية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، في مقابلة تلفزيونية على قناة "بي إف إم بيزنيس" الاقتصادية، حرَّض على اغتيال رئيس الجمهورية التركي، وقال إن "الحرب الأهلية أو اغتيال أردوغان خياران لإزالة الاحتقان السياسي في تركيا"، مُدَّعِيا بأن "كافة الطرق القانونية للاعتراض على نتائج الاستفتاء مسدودة". وبعد أن تعرض لموجة من الانتقادات، اعتذر عن هذه التصريحات، وزعم أن "بعض العبارات التي صدرت عنه كانت غير مناسبة وأُسيء فهمها لدى الرأي العام".
يبدو أن هذا الاعتذار لن يكفي لإفلات ديفارج من الملاحقة القانونية، لأن أردوغان رفع دعوى قضائية ضده، كما فتحت النيابة العامة في أنقرة التحقيق بناء على الشكوى التي تقدم بها محامي الرئيس التركي ضد الباحث الفرنسي. وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن ديفارج يجب أن يتحمّل العواقب القانونية لتصريحاته التي حرض فيها على اغتيال أردوغان.
وفي آخر صورة للوقاحة الأوروبية، وافقت الجمعية البرلمانية الأوروبية على فرض رقابة سياسية على تركيا، مشيرة إلى وجود مخاوف بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية، ودعت أنقرة إلى رفع حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن. ومن المثير للسخرية أن الجمعية اتخذت هذا القرار في فرنسا التي قامت بتمديد حالة الطوارئ للمرة الخامسة منذ نوفمبر / تشرين الثاني 2015.
الأوروبيون أصيبوا بمرض يمكن تسميته "فوبيا أردوغان"، ويحتاجون إلى العلاج للتخلص من آثار هذا المرض الذي جعلهم يرون الرئيس التركي في كل مكان ويتمنون إسقاطه ولو عن طريق الاغتيال. وإن لم يتعالجوا عنه فقد يراهم العالم في المستقبل القريب يجتمعون في الكنائس ليدعوا الله أن ينجيهم من الرئيس التركي.