كانت جماعة كولن واثقة من قدرتها على إسقاط الحكومة التركية المنتخبة منذ اللحظة الأولى من إعلانها حربا شاملة ضد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأنها كانت تملك خيارات عديدة بفضل تغلغل خلايا الكيان الموازي، التنظيم السري للجماعة، في أجهزة الأمن والقضاء والجيش وغيرها، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولم يبق لديها غير خيار الانقلاب العسكري.
المنتمون لجماعة كولن لم يجدوا بأسا في التبشير بانقلاب عسكري ينهي "الظلم الذي وقع على الجماعة"، حسب رأيهم. وكانت هناك آراء متباينة بين من يقول إن الجماعة تخطط لانقلاب عسكري ومن يرى أنها لا تجرؤ على مثل هذه الخطوة الخطيرة التي تعني الانتحار للجماعة. وجاءت محاولة الانقلاب ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي ليحسم النقاش لصالح الرأي الأول. وكانت الجماعة واثقة تماما من نجاح الخطة، إلا أن الشعب التركي نزل إلى الشوارع والساحات، وتصدى للانقلابيين، وأفشل المحاولة. ولما تأكد الفشل بدأت الجماعة تسعى إلى التنصل من مسؤولية محاولة الانقلاب المجرمة، وقالت إنها مسرحية.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، أصبح في الأيام الأخيرة يردد ما تروِّجه جماعة كولن بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة. وقال قبل أيام إنه يملك معلومات تؤكد أن محاولة الانقلاب كانت منذ بدايتها تحت السيطرة، مضيفا أن السلطات التركية لم تمنع وقوعها لكي تستغلها لاحقا، كما ادَّعى أنه أعدَّ ملفا خاصا يفصل فيه كل تلك المعلومات.
جماعة كولن من خلال اتهام الحكومة التركية بتدبير محاولة الانقلاب تهدف إلى خلط الأوراق والتشويش على القضايا المرفوعة ضد المعتقلين في قضية الكيان الموازي ومحاولة الانقلاب الفاشلة. وهناك أطراف دولية تبذل جهودا لإنقاذ الجماعة من الورطة الكبيرة التي وقعت فيها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "لماذا رئيس حزب الشعب الجمهوري بدأ يردد قبيل الاستفتاء الشعبي ما تروجه جماعة كولن، على الرغم من تضامنه مع الحكومة المنتخبة ضد محاولة الانقلاب بعيد وقوعها، ومشاركته مع الزعماء الآخرين في المظاهرة المليونية التي تم تنظيمها في 7 أغسطس/ آب 2016 بميدان يني كابي في إسطنبول دعما للديمقراطية؟".
جواب هذا السؤال يكمن في نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الناخبين سيوافقون على التعديلات الدستورية التي ستنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. أي أن كيليتشدار أوغلو يتخبط ويحاول أن يلفت انتباه الرأي العام التركي عن فشل الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية في إقناع الشعب التركي.
لم يبق لموعد إجراء الاستفتاء الشعبي سوى أيام معدودة، وكلما اقترب السادس عشر من الشهر الجاري تتراجع نسبة المترددين، في مقابل ارتفاع نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية نحو 60 بالمائة. وبدأت عملية التصويت في الخارج، وهناك إقبال غير مسبوق من أبناء الجاليات التركية على المشاركة في الاستفتاء الشعبي. وتشير أاستطلاعات الرأي إلى أن نسبة التأييد للتعديلات الدستورية في صفوف الأتراك المغتربين تصل إلى 70 بالمائة.
قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه يدعون الناخبين إلى التصويت بــ"لا" في الاستفتاء الشعبي، إلا أن تصريحاتهم المبنية على الكذب والمغالطة والتضليل تسهم في ارتفاع نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية. وعلى سبيل المثال، قال أحدهم في لقاء تلفزيوني إن رئيس الجمهورية في النظام المقترح سيتمتع بصلاحيات واسعة لدرجة أنه يمكن أن يغلق المطاعم كما يشاء. ولما سأله المذيع "أي مادة من مواد التعديلات تمنح رئيس الجمهورية هذه الصلاحية؟" تحول إلى المزهرية، وتهرب من الإجابة، وقال إنه لم يحضر التعديلات معه، كما أنه زعم أن الشعب لا يفهمها حتى لو قرأها. بل ذهب نائب آخر إلى أبعد من ذلك، فقام بتهديد المؤيدين للتعديلات الدستورية بطردهم من البلاد "كما طرد أتاتورك الجيش اليوناني في حرب الاستقلال"، في حال خرجت من صناديق الاقتراع موافقة على التعديلات الدستورية.
وفي مقابل تخبط حزب الشعب الجمهوري، كثَّف المؤيدون للتعديلات الدستورية جهودهم لشرح مواد التعديلات بالتفصيل حتى يفهم الشعب ما الذي سيتغير في الحياة السياسية بعد تطبيق النظام الرئاسي المقترح، الأمر الذي أدّى إلى تراجع نسبة المترددين إلى حوالي 4 أو 5 بالمائة. وفي الظروف الراهنة، تشير جميع المؤشرات إلى أن مساعي جماعة كولن لخلط الأوراق ومحاولات كيليتشدار أوغلو التشويش على الحقائق لن تفلح في الضحك على الشعب التركي وإفلات المجرمين من يد العدالة.
* كاتب تركي