أكد الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في مقابلة مع قناة "وي أون"
الهندية، عُرضت عشية زيارته الرسمية التي قام بها للهند هذا الأسبوع، على أهمية إبقاء قنوات الحوار بين الهند وباكستان قائمة بشأن النزاع على إقليم
كشمير.
وأضاف أردوغان أن "إطالة أمد هذه الأزمة وإجبار الأجيال القادمة على دفع فاتورتها ليس صائبا، علاوة على أن المسألة تؤثر على حياة شعوب المنطقة ورفاهيتها، وعلى الأمن في جنوبي آسيا، ففي هذه المنطقة الهند صديقتنا، وكذلك
باكستان". وقال إن
تركيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي مستعدتان للمساهمة في هذا الحوار.
ولفت الرئيس التركي إلى "حسن النية" التي أبداها رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، حيال فتح قنوات حوارات ثنائية مع الهند، أو بمشاركة دولة أخرى.
وفي المقابل، رفض أردوغان مقارنة قضية كشمير بمحاربة حزب العمال الكردستاني في تركيا، قائلا إن "الدولة التركية تحارب المنظمة الإرهابية وليس الأكراد".
من جانبها، أعلنت الخارجية الباكستانية عن ترحيبها بعرض أردوغان للمساعدة في الحوار مع الهند.
كما أعرب مير واعظ عمر فاروق، زعيم "منتدى الحرية" المعارض للهند في كشمير، عن ترحيبه بمقترح الرئيس التركي، موضحا أن "تركيا دولة صديقة للهند وباكستان".
قدرة تركيا
من جهته، أكد سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، أن "انعكاس التقارب التركي الهندي على القضية الكشميرية إيجابا مرتبط بمدى قدرة الدولة التركية على تعميق العلاقات الاستراتيجية مع طرفي النزاع، وكذلك قدرتها على تحقيق تقارب بين الهند وباكستان من خلال الوساطة بينهم ولعب دور محايد، دون الانحياز لطرف دون طرف".
وأضاف صالحة أن 14 في المئة من سكان الهند مسلمون، "وهو عدد كبير لا يستهان به، ومن ثم تركيا عندما تنفتح في علاقاتها الاستراتيجية مع الهند إنما تضع في حساباتها تحقيق مصالح الجميع، وعلى رأسهم المصلحة التركية، ثم السعي الدبلوماسي الناعم لتحقيق مصلحة المظلومين بدرجة أو بأخرى، الأمر الذي يؤكد وجود رسائل غير مباشرة تراعي كافة الاعتبارات الإقليمية"، وفق تعبيره.
وقال إن تركيا تعتمد سياسة براجماتية في بعض الملفات، "ورغم ذلك، أعطت الشرائح المضطهدة اهتماما خاصا يصاحب سياستها الاستراتيجية في التعامل مع الدول التي بها أقليات مضطهدة، كما هو الحال مع الصين في ملف مسلمي الإيجور في تركستان الشرقية، بحيث تضمن تخفيف الضغوط عليهم وتحسين أوضاعهم من جهة، والحفاظ على مصالح الدولة التركية والمصالح الصينية من جهة أخرى".
وتابع: "وهو ما فعلته في علاقاتها مع روسيا بالرغم من تناقض موقفيهما في سوريا، إلا أن تركيا حافظت على علاقاتها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية مع روسيا، مع الثبات على موقفها المدافع عن الثورة السورية"، كما قال.
"تصلب" الهند
وأكد الكاتب والمحلل السياسي التركي، إسماعيل ياشا، أنه لا يمكن معرفة مدى تأثير تركيا في النزاع الهندي الباكستاني على إقليم كشمير بصورة مباشرة، "الأمر الذي قد يدفع تركيا أن تبدأ بالسعي في اتجاه تقديم مساعدات إنسانية للإقليم بطرق رسمية، مثلما فعلت في ميانمار، ومن ثم تقيم حوارا حول إمكانية الوساطة بين البلدين، لا سيما أن قضية كشمير أكثر تعقيدا من قضية مسلمي ميانمار"، وفق تقديره.
وألمح ياشا إلى أنه من الممكن أن تنجح تركيا في النفاد إلى دائرة التأثير في القضية الكشميرية، من خلال اتباع سياسة الحياد، ودون إثارة حساسية الهند، بما يحسن أوضاع الكشميريين من جهة، ويهدئ أجواء الصراع والاستنفار المتبادل بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، من جهة أخرى.
ولم يستبعد أن تتصلب الهند في مواقفها تجاه الوساطة التركية، كما سبق أن فعلت حكومة بنجلاديش من قبل، عندما رفضت طلبا تقدمت به الحكومة التركية لإيقاف تنفيذ حكم الإعدام بشأن أحد القيادات الإسلامية، "إلا أن ذلك لا يمنع تركيا من تقديم المساعدات بطرق رسمية لمخيمات اللاجئين المسلمين البورميين في بنجلاديش، والسعي لتلطيف الأجواء"، بحسب ياشا.
وشدد ياشا على أن "تركيا دولة تعتمد البراجماتية في علاقاتها الخارجية منهجا يحقق النفع لها ولغيرها"، مضيفا: "هي تحرص على مصلحتها أولا، وتتعامل بشكل لا يثير غضب الحليف معها، لكنها تسعى من خلال الدبلوماسية الناعمة لكي تنفذ بشكل يخفف العبء عن الأقلية المسلمة المضطهدة وفي الإطار الودي بين البلدين".
تحسين الأوضاع
ويتفق الصحفي والمحلل السياسي التركي، سالم أوزجان، مع الطرح بأن تقارب تركيا مع دولة بحجم الهند سيؤدي إلى تحقيق رواج اقتصادي متبادل وتجارة بينية، حجمها يقترب من العشرة مليارات دولار، مشيرا إلى أن "تدشين علاقات استراتيجية مع كل من الهند وباكستان سوف يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحسين أوضاع مسلمي كشمير، ويخفف من حدة الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل الهند في المستقبل القريب".
وأوضح أوزجان أن قضية كشمير قضية لها جذور عميقة منذ تقسيم شبه القارة الهندية بين المسلمين والهندوس عام 1947 على يد المحتل البريطاني، "الذي مزق وحدة هذه البلد، فقام بخلق بؤرة صراع بين الدولتين؛ لإضعافهما، وهي قضية مصطنعة، وتسببت في ثلاث حروب بين الجارتين"، بحسب قوله.
وأشار إلى أنه إذا لم تجد هذه القضية "حلا تاما، فإن وضعها من الممكن أن يكون أفضل مما كانت عليه، وستنتعش أوضاع المسلمين في كشمير، لا سيما أن تركيا قد تساعد على تدويل مثل هذه القضية، وجلب الدعم والتعاطف الدولي لها، كما حدث في قضية مسلمي بورما"، وفق تقديره.
الاقتصاد والتكنولوجيا أولا
وفي المقابل، يذهب إبراهيم بوعزي، الأكاديمي والإعلامي التونسي المقيم في تركيا، إلى أن الوساطة التركية في قضية حساسة مثل كشمير "قد لا تكون في الصدارة، ولا أولوية للرئيس أردوغان في الهند".
ورأى أن الملف الأهم في هذه الزيارة هو التنسيق في مجالات الصناعات العسكرية والفضائية والتكنولوجيا الحديثة، "لما للهند من باع في هذه المجالات"، معربا عن تصوره بأن مسألة كشمير ليست مطروحة خلال الزيارة، "لما للمسألة من حساسية لدى تركيا في حال أقامت الإدارة الهندية مقارنة بين كشمير ومشروع كردستان الكبرى، الذي يهدد أمن ووحدة تركيا والعراق وإيران وسوريا"، كما قال.
يذكر أن النزاع على الإقليم بين باكستان والهند بدأ منذ خروج بريطانيا عام 1947، ونشبت ثلاثة حروب بينهما في أعوام 1948 و1965 و1971، أسفرت عن مقتل قرابة 70 ألف شخص من كلا الطرفين. ومنذ ذلك الحين، صدر عن الأمم المتحدة 12 قرارا متعلقا بكشمير، رسخت جميعها بشكل كامل مبدأ حق تقرير المصير لشعب الإقليم، الأمر الذي اشترطت باكستان بأن يُعهد تنفيذه إلى الأمم المتحدة، بينما ترفض الهند ذلك حتى اليوم.