الاعتقالات التى طالت، بحسب المصادر والتقارير الصحفية، نحو 500 طالب من
تركستان الشرقية المحتلة من قبل
الصين؛ يدرسون بالأزهر الشريف، لا يمكن أن تتم بهذا الشكل إلا بقرار سياسي ومن أعلى سلطة في الدولة
المصرية، ويبدو أن هذه الاعتقالات الكثيفة والمفاجئة جاءت في إطار صفقة مع السلطات الصينية وقربانا ومودة!
مما لا شك فيه أن هذه الاعتقالات وجهت ضربة قاصمة لمصداقية
الأزهر الشريف، لكون هؤلاء من الطلبة الوافدين الدارسين في الأزهر، مما يضع علامات استفهام كبيرة وتوجسات لدى جميع الوافدين للدراسة في الأزهر الشريف، الذي كان يمثل قوة ناعمة للدولة المصرية في سائر انحاء العالم. ولكن ممارسات السلطة في مصر تجاه الأزهر، جامعا وجامعة، قضت على تلك القوة الناعمة التي كانت حاضرة لقرون.
على مدار سنوات حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وبحسب المعلومات المتوفرة، لم يحدث مطلقا أن قامت السلطات المصرية بعمل موسع بهذه الطريقة، بل إن مبارك كان لا يستجيب لأي مطالبات صينية في هذا الصدد.
يأتى توقيت الاعتقال ليصب في خانة التخمينات التى تميل إلى أن ذلك أتى في إطار صفقة بين الجانب المصري والصيني، ولكن يبقى السؤال: أي صفقة هذه وأي ثمن هذا الذي يمكن أن يقابل سمعة الأزهر ومصر؛ التي تسقط أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا بمثل هذه القرارات، خاصة أن الذين يجرى اعتقالهم مجرد طلبة مسلمين من الدارسين للعلوم الشرعية واللغة العربية، والحكومة الصينية تمنع مسلمي تركستان من دراسة العلوم الشرعية الإسلامية واللغة العربية، وترتب على ذلك عقوبات شديدة للغاية تصل للسجن المؤبد والإعدام، وهؤلاء الطلاب المعتقلون سيتم ترحيلهم إلى الصين، ومما لا شك فيه سيكونون عرضة لهذه العقوبات القاسية.
على مدار السنوات الماضية، أهدرت السلطة في مصر بكثير من القرارات غير الرشيدة، التي لا تعبأ بأي أبعاد سياسية أو أخلاقية، ولا تنظر إلى مصر الموقع والموضع والمكان والمكانة. فطلبة الأزهر الوافدون على مدار عقود بل قرون؛ كانوا بمنزلة سفراء لمصر في بلادهم بعد عودتهم إلى بلادهم، فمنهم من تبوأ أماكن رفيعة، وحملوا لمصر في قلوبهم الجميل، فكانوا قوة تضاف إلى قوة مصر خارج حدودها. ولكن الذي يحدث مع الأزهر ودارسيه من طلبة العلم المسلمين لا يُفهم منه إلا هدم مكانة الأزهر في نفوس طلابه من المصريين غير المصريين، والقضاء على ما بقي للأزهر من مكانة في نفوس الدارسين المسلمين من شتى بلدان العالم، الذين مما لا شك فيه يراجعون أنفسهم بدلا من المرة ألف مرة قبل أن يفكر أحدهم بعد ذلك أن يدرس في الأزهر الشريف أو في أي جامعة مصرية؛ لأنه سيصبح ربما في أي وقت ثمنا لصفقة سياسية.
إن اعتقال التركستانين المقيمين في مصر يضيف هموما وآلاما على هؤلاء المسلمين المضطهدين في بلد من بلاد المسلمين؛ كان يوما بلدا مستقلا، ولكن بات يخضع للاحتلال الصيني منذ 1949، حيث مارس اضطهادا غير مسبوق ضد مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية، حيث نكلت الحكومة الشيوعية بأهلها، وما زالت تمارس حتى اللحظة انتهاكات لا حصر لها ضد المسلمين هناك، وتحاصر كل معالم الإسلام إلى درجة المنع من الصيام والإجبار على الإفطار في نهار رمضان، ناهيك عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي نددت بها المنظمات الدولية بلا استثناء.
إن تلك القرارات باعتقال ومطاردة التركستانيين الموجودين في مصر، وتسليمهم لقمة سائغة للحكومة الصينية للتنكيل بهم، تمثل ضربة قاتلة لمكانة الأزهر، وزرعا للأحقاد والثارات خاصة في نفوس هؤلاء الذين لم يرتكبوا جرما، ولكن جرمهم الوحيد رغبتهم للدراسة في الأزهر الشريف، وأنهم أمنوا على أنفسهم بين رحابه، فإذا بقرار لا يبصر من أصدره أبعد من موضع قدميه يحولهم في غمضة عين إلى معتقلين.
إن حملة الاعتقالات التي تدور رحاها تجاة الطلبة التركستانيين في الأزهر وفي مصر؛ تمثل سقطة أخلاقية وإنسانية وسياسية غير مسبوقة تُهين مصر وتقضي على ما تبقى لها وللأزهر في نفوس المسلمين، فهل هناك من عقلاء ليتداركوا الأمر أم إنه لم يعد للمنطق والعقل في مصر الآن مكان!