نشرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية تقريرا تحدثت فيه عن التدخل الروسي في
سوريا، "أرض المذبحة". فعلى مدى عامين، قادت كل من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، بالإضافة إلى
روسيا حربا متعددة الجبهات في سوريا. وقد ساعد هذا
التدخل العسكري النظام السوري على الصمود حتى الآن.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن قوات النظام السوري تحزر تقدما واضحا، فقد اجتازت نهر الفرات بمساعدة القوات الروسية باتجاه الشرق لتصل إلى قلب تنظيم الدولة. ففي 30 أيلول/ سبتمبر من سنة 2015، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التدخل العسكري في سوريا، بناء على طلب رسمي من الأسد لمحاربة تنظيم الدولة.
وأفادت الصحيفة بأن روسيا استغلت النزاع السوري من أجل العودة إلى الساحة السياسية العالمية، بعد أن تم عزلها لفترة بعد أزمة ضم شبه جزيرة القرم، وحربها في شرق أوكرانيا. وقد أشار مركز أبحاث "كاست"، وهو من مؤسسات الدفاع والأمن الروسية المرموقة، أن هذا التدريب غير مكلف من أجل اختبار القدرة القتالية للأسلحة الروسية.
من جهة أخرى، هناك عقبة كبيرة تمنع روسيا من الانسحاب السريع من سوريا، فروسيا منغمسة كليا في الحرب، وسيكون الانسحاب مخاطرة كبيرة. وفي هذا الصدد، أجرى مركز ليفادا المستقل، في أوائل شهر أيلول/ سبتمبر، استطلاعا للرأي أكد أن 30 بالمائة فقط من الشعب الروسي يوافقون على استمرار التدخل العسكري الروسي في سوريا.
وبينت الصحيفة أن وزارة الدفاع الروسية ما زالت تمتنع عن الإفصاح عن حصيلة القتلى في قواتها في سوريا، على الرغم من أن الكرملين قد أعلن عن مقتل 37 عنصرا حتى الآن، من بينهم الجنرال "فاليري أسابوف". من جهتهم، نوه المراقبون بأن هذا العدد قليل وغير دقيق خاصة في غياب أرقام توثق ذلك. ويعزى سبب غياب هذه البيانات إلى أن الجيش الروسي يعتبر هذا الأمر سرا من أسرار الدولة.
وأوضحت الصحيفة أن دخول روسيا في النزاع السوري لم يحقق انتصارا واضحا، وإنما ضمن بقاء النظام السوري برئاسة الديكتاتور بشار الأسد على الأقل في السنوات القادمة. في الواقع، يسيطر الجيش النظامي السوري على دمشق وكذلك المدن الكبرى، ويسعى لاسترجاع الأراضي شرقا من يد تنظيم الدولة. وفي الجانب المقابل، تسيطر المعارضة السورية على جزء كبير من محافظة إدلب.
والجدير بالذكر أن روسيا وإيران وتركيا قد أبرموا اتفاقا لوقف عمليات التصعيد في محافظة إدلب، إلا أن الهجمات الجوية ما زالت تستهدف المدنيين يوميا إلى حد الآن.
وأوردت الصحيفة أن الخاسر الأكبر من هذه المعركة هي بلا شك المعارضة السورية، لأن روسيا استغلت الحرب من أجل دعم موقفها السياسي، في الوقت الذي تخلت فيه الحكومة الأمريكية عن دعم الثوار، بعد فشل محاولات الصلح بين أطراف النزاع. في المقابل، تدعي الإدارة الأمريكية أن الوضع في سوريا يدعو إلى التفاؤل، خاصة عند الإطلاع على تصريح ترامب الذي أكد فيه التقدم الذي تحرزه القوات الأمريكية في حربها على الإرهاب في سوريا.
وذكرت الصحيفة أن انضمام القوات الكردية إلى القوات الأمريكية الخاصة في الحرب ضد الإرهاب، أحدث تغييرا هائلا على أرض الواقع. ولكن، لم يستطع ترامب تحقيق هدفه الرئيسي ألا وهو الحد من النفوذ الإيراني في سوريا. في الحقيقة، يحاول ترامب زيادة الضغط على إيران، بعد أن انتقد علنا الاتفاق النووي الذي أبرمته الإدارة الأمريكية السابقة. من جهة أخرى، تبقى ردود أفعال السلطة الإيرانية هادئة بشكل مريب، خاصة بعد أن أعلنت عن اختبار صاروخ جديد متوسط المدى قبل أسبوع.
وأفادت الصحيفة بأن توسع قوات الحرس الثوري الإيراني الشيعي في سوريا مازال مستمرا، وهم على وشك تشكيل "الهلال الشيعي" الممتد حتى البحر المتوسط. وفي الأثناء، بدأت مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من الدول السنّية وإسرائيل تتفاقم في ظل التهديد الذي يفرضه النفوذ الإيراني على مصالحهم. فعلى سبيل المثال، فقدت إسرائيل لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي السيادة الجوية غير المقيدة في المنطقة، في أيلول/ سبتمبر سنة 2015.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن إسرائيل لا تستطيع في الوقت الحاضر التحليق في المجال الجوي السوري دون الأخذ بعين الاعتبار ردة فعل روسيا. فهي تعلم جيدا أن هناك اتفاقا مع روسيا، يمكن تلخيصه في جملة: لا تعترضوا طريقنا ولن نعترض طريقكم. في المقابل، أعلنت إسرائيل عن اشتراكها في مناورة عسكرية في بلغاريا بصواريخ أرض-جو من طراز إس-300، مماثلة لتلك التي نشرتها روسيا.