نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأكاديمي
الإسرائيلي المتخصص بقضايا الأمن والشأن الروسي دمتري أدامسكي، يناقش فيه كيف يمكن لموسكو أن تستفيد من حرب بين إسرائيل وحزب الله.
ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي استعادت فيه القوات الموالية للحكومة السيطرة على مساحات مهمة من
سوريا، فإن المخططين في إسرائيل بدأوا التركيز على احتمال نشوب حرب مع
حزب الله الموالي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث أدت الحرب الأخيرة مع حزب الله عام 2006 إلى عقد من الهدوء على الحدود الشمالية.
ويشير أدامسكي في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "حزب الله طور على مدى تلك العشر سنوات أسلحته كما ونوعا، ويمكن أن تبدأ حرب لعدة أسباب: إن كان هناك سوء فهم من حزب الله أو إسرائيل أدى إلى تصعيد غير مقصود، أو إن حاول أحد الطرفين استغلال ما يعده لحظة ضعف لدى الطرف الآخر فيهاجم، أو إن تجاوز تصرف طرف من الطرفين الخطوط الحمراء للطرف الآخر".
ويلفت الكاتب إلى أن "الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين لا يشككون في احتمال الحرب مع حزب الله، لكنهم لا يعرفون كيف ستتصرف
روسيا، الحليفة لكل من
إيران وحزب الله في سوريا، في حال نشوب حرب كهذه، حيث كثفت إسرائيل مؤخرا من ضرباتها على حزب الله في لبنان وسوريا، لكنها استطاعت إلى الآن الحفاظ على تعايش دقيق مع الكرملين، وعادة من خلال تدخلات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
ويستدرك أدامسكي بأن "هذه الصيغة قد لا تدوم طويلا، فإن نشبت حرب بين إسرائيل وحزب الله قد تؤثر على مصالح روسيا، فإن موسكو في موقع جيد للضغط على الطرفين لتساعد على حل النزاع، وقد يستغل الكرملين هذه الحرب ليحسن من وضع البلاد وتأثيرها في الشرق الأوسط".
ويلفت الكاتب إلى أنه "مع توجه الوضع في سوريا نحو الاستقرار، فإن التنافس بين روسيا وإيران تعمق، حيث ترغب روسيا في الحفاظ على مكاسبها تحت أي ترتيب سياسي مستقبلي، حتى لو تم استبدال الأسد بغيره، أو تم تحويل سوريا إلى فيدرالية، كما أن إيران تسعى لتثبيت نفسها في الشرق، وكلاهما يسعى لوجود عسكري في سوريا وتأثير سياسي في المنطقة، لكن المناطق التي أعاد الأسد نفوذه فيها لا تحتمل استضافة راعيين مختلفين".
ويجد أدامسكي أن "طموح إيران أصبح إشكاليا بالنسبة لروسيا، ويفضل الكرملين أن يضع حدا للطموحات الإقليمية الإيرانية، لكن دون تخريب العلاقة مع البلد التي تبقى أكبر حليف اقليمي، وتفضل روسيا أن يكون وجود إيران وحزب الله في سوريا ليس قويا جدا وليس ضعيفا جدا".
ويرى الكاتب أن "استعداد إسرائيل لاستخدام القوة قد يخدم هذا الهدف، فإن وقعت حرب بين إسرائيل وحزب الله فربما تسمح موسكو لإيران وحزب الله بالنزف لإضعاف موقعهما إقليميا، لكنها ستسعى لمنع انتصار إسرائيلي كامل؛ لأنها تحتاج لحزب الله بصفته فاعلا استراتيجيا في المنطقة، ولأن فعل ذلك يثبت لإسرائيل محدودية قوتها، وبتسوية الصراع وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب يمكن لروسيا أن تثبت أنها تساوي، بل تزيد عن أمريكا، باعتبارها قوة في الشرق الأوسط".
ويذهب أدامسكي إلى أنه "لذلك، فإن الأفضل بالنسبة للكرملين هو حرب قصيرة محدودة في لبنان تنتهي بسرعة، وتسمح لكل من إسرائيل وحزب الله بادعاء الانتصار بعد الاستعانة بموسكو للتوسط لإنهاء القتال، وأسوأ نتيجة هي أن تتفكك لبنان فتصبح أرضا خصبة للجهاديين، كالعراق بعد صدام، أو امتداد القتال إلى مرتفعات الجولان السورية، التي قد تهدد إنجازات روسيا في تهدئة الوضع في سوريا، وتزعزع استقرار المنطقة".
ويبين الكاتب أن "روسيا لا ترغب في انتصار كامل لحزب الله ولا قضاء عليه؛ لأن النتيجة الأولى قد تجرئ الحزب، بحيث لا يعير اهتماما لرغبات موسكو، والنتيجة الثانية ستظهر روسيا على أنها حليف لا يمكن الاعتماد عليه، وبغض النظر عن النتيجة المتوقعة، فإن روسيا قد تحاول (تجميد) الصراع، وهذا هو الإجراء الذي تمارسه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في أبخازيا ودونباس وناغورنو كاراباخ وأوسيتيا وترانسنستريا، وهذا يتطلب أن يبقى التوتر عاليا لإبقاء فرصة وساطة وتدخل روسية، لكن ليس عاليا جدا فيؤدي إلى حرب طويلة".
وينوه أدامسكي إلى أن "الحفاظ على مستوى من الاستقرار المتوتر ففي لبنان يساعد على زيادة اعتماد الأطراف كلها على روسيا، ما يحافظ على مستوى عدم الاستغناء عن موسكو، فالحرب بين إسرائيل وحزب الله قد توفر فرصة لروسيا ما دامت قادرة على منع التصعيد السلبي".
ويقول الكاتب إن "أي حرب قادمة بين إسرائيل وحزب الله ستتميز بنظريات جديدة حول الانتصار تبناها الجانبان منذ الحرب الأخيرة، ولا يتوقع أن يكتفي حزب الله باستخدام الصواريخ ضد المدنيين الإسرائيليين، كما فعل في الماضي، بل سيسعى للإضرار بالآلة العسكرية الإسرائيلية، كضرب أهداف مهمة للعمليات، مثل قواعد الطيران أو مراكز تجميع المعلومات، أو حتى تجمعات الجيش، كما يتوقع المخططون الإسرائيليون قيام قوات خاصة لحزب الله بعمليات داخل الحدود الإسرائيلية، وربما الاستيلاء على بعض المستوطنات المحاذية للحدود".
ويضيف أدامسكي أن "إسرائيل لن تلجأ في الغالب لعملية ردع أخرى -الخيار العادي خلال صراعات العقد الماضي، التي سعت من خلاله إلى إحداث ضرر محدود للعدو؛ لمنع قيامه بهجمات مستقبلية- وقد تسعى بدلا من ذلك لما يسميه المخططون الإسرائيليون (حسما ميدانيا) أو انتصارا غير متنازع عليه على الأرض، وتصاحبه صورة الانتصار، ولن تسعى إسرائيل للقضاء على حزب الله، لكنها قد توشك أن تفعل".
ويستدرك الكاتب بأن "حربا تشكلها هذه العقائد الجديدة قد تهدد مصالح روسيا، فأصعب وضع لروسيا هو أن تقوم إسرائيل بالتسبب بأضرار لحزب الله أكبر مما يرغبه الكرملين، وإن استمرت ولاحقت الحزب لتحقيق انتصار حاسم، وهذا قد يدفع موسكو للضغط على إسرائيل للتوقف، إلا أن رغبة حزب الله في التصعيد قد تكون أيضا أمرا لا تحتمله روسيا؛ لأن ذلك التصعيد قد يجعل إسرائيل تنتقم في سوريا أو إيران، ما سيشعل الشرق الأوسط دون تحقيق أي فوائد لموسكو".
ويفيد أدامسكي بأن "مدى حماية روسيا لحزب الله سيعتمد على حاجتها له لتحقيق استقرار حليفها في سوريا، فكلما استتبت الأمور لصالح النظام الموالي للكرملين في سوريا استقر موقف موسكو، وزادت المساحة التي يمكن لإسرائيل أن تناور فيها".
ويقول الكاتب إن "موسكو ستحاول إنهاء الصراع سياسيا، من خلال محاولة الضغط على الجانبين. ولتحصيل أفضل المكاسب بأقل مستوى من الاحتكاك، قد تلجأ روسيا إلى الحرب الإلكترونية ضد بعض الأهداف المدنية في إسرائيل، مثل المؤسسات الرياضية أو مصافي البترول، وقد تتهم إيران أو حزب الله بهذه الهجمات؛ لتجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل. وتستطيع موسكو أن ترسل بإشارة إلى إسرائيل بأنها إن لم تخفف هجومها على حزب الله فإنها ستضغط على مفتاح أحمر آخر (لقنبلة سايبرية مزروعة في جزء حساس من البنية التحتية للشبكة المعلوماتية الإسرائيلية). وأخيرا يمكن أن تقوم بتقويض لحمة المجتمع الإسرائيلي بنشر معلومات كاذبة، أو كشف أسرار حقيقية تتسبب بفضيحة أمام الراي العام الإسرائيلي".
ويضيف أدامسكي: "كما يمكن لروسيا أن تجعل إسرائيل تظن أن الجيش الروسي محاذ لحزب الله، بحيث أن ضربة أحدهما تعرض كلاهما للخطر، وقد تنشر فقاعات مانعة (تكتيك عسكري لمنع العدو من دخول مساحات معينة، قد يستخدم زرع الألغام)، كما قد تشوش على المقذوفات الإسرائيلية أو تسقط الطائرات دون طيار، وقد تقوم موسكو من خلال الحرب السايبرية بتعطيل منظومة القبة الحديدية، أو التدخل في صفارات الإنذار ونظام الإنذار المبكر على الإعلام الاجتماعي؛ لإحداث بلبلة في الشارع".
ويستدرك الكاتب قائلا: "غالبا ما تتصرف روسيا بشكل براغماتي، فتضغط أيضا على حزب الله من خلال إيران وسوريا وبشكل مباشر، فبعد عامين من الحرب جنبا إلى جنب في سوريا أصبحت روسيا على معرفة بالمنظومة القيادية ومنظومة الاتصالات، وقد تسعى روسيا لتقويض المنظومتين إلكترونيا إن تمادى حزب الله في إطلاق الصواريخ، وقد تسعى روسيا لإقناع الحزب مباشرة، خاصة بعد الإنهاك الذي أصيب به في سوريا".
ويخلص أدامسكي إلى القول إن "روسيا ستتدخل في الحرب الإسرائيلية العربية القادمة أكثر من أي حرب سابقة، وسيبقى الحس الطبيعي لدى إسرائيل هو اللجوء إلى أمريكا في الأزمات، لكن العجز الذي يميز الإدارة الأمريكية الحالية وعلاقات الكرملين الإقليمية قد يجعل روسيا طرفا أهم في عيون إسرائيل".