دشن زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي مساعي مصالحة فلسطينية جديدة بعد أن كان عقد تفاهمات مع القيادة الجديدة لحماس تتضمن الأمن على حدود سيناء وساهم عن طريق رسوله القيادي المفصول من فتح محمد دحلان في تخفيف الحصار على قطاع غزة، الأمر الذي أهله للقيام بدور فعال في الإمساك بالملف الفلسطيني.
ولاشك أن نجاح حماس في الإمساك بأمن الحدود مع مصر قدمها جيدا في العلاقة مع مصر التي لم تكن على وفاق مع سلطة عباس في إجراءاتها شديدة القسوة ضد غزة من خلال وقف الرواتب ووقف تزويدها بالوقود وغيرها من الإجراءات التي كان من شأن استمرارها توتير الحدود مع إسرائيل وإضعاف الدور المصري في المنطقة.
إن تدخل مصر الفاعل في المصالحة ونجاحها في هذا المسعى يعزز موقفها عند إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك في بعد الغياب الواضح لدورها الإقليمي واستمرار فشل إدارة الجنرال عبد الفتاح السيسي داخليا.
عباس أمام التحدي
ونجحت الضغوط المصرية على السلطة الفلسطينية للاندماج في مسعى حقيقي للمصالحة، حيث استبقت مصر ذلك بالتلويح بدحلان كبديل عن عباس، وذلك من خلال تقديم دحلان في غزة وكأنه يسهم في تقديم تسهيلات لغزة بفتح المعابر وتزويد غزة بالوقود الذي حرمته منها سلطة عباس!
تدخل السلطة الفلسطينية جهود المصالحة وهي متشككة بالدور المصري وغاياته وما إذا كان سيصب في النهاية في صالح دحلان أم لا، ولكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يجد نفسه مرغما على الدخول في هذا المسعى حتى لا يعطي مصر مبررا للاستمرار في سياسة عزله والتوجه نحو دحلان.
كما تدخل السلطة الحوار مع خصم متماسك وقوي ويمتلك السلاح في غزة، حيث تعتقد أنه يجب أن ينزع لتمكينها من أداء دورها الأمني تجاه إسرائيل.
كما يمكن لهذا الخصم (حماس) أن يهزم حركة فتح في الانتخابات التشريعية القادمة، الأمر الذي يجعل السلطة مترددة في إجرائها ما لم تكن متأكدة من أن فتح ستفوز بها.
كما ستكون هناك تحديات في إجراء انتخابات المجلس الوطني وعضوية اللجنة التنفيذية الجديدة.
ولذلك أكد عباس أن كل المساعدات التي ستقدم لقطاع غزة يجب أن تمر عبر حكومة الوفاق الوطني، ولكنه في المقابل لم يتعهد بدفع رواتب موظفي حماس البالغ عددهم نحو 50 ألفا، كما يشير إلى خطته لفك الحصار عن غزة.
وأكد عباس على أن موافقة حماس على حل اللجنة الإدارية بالقطاع وذهاب حكومة الوفاق إلى غزة والموافقة على إجراء الانتخابات العامة تعتبر الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة، ولكنه أصر في المقابل على أن تكون بالقطاع "سلطة واحدة وقانون واحد وإدارة واحدة وسلاح واحد"!
ولذلك فإن عباس بات الآن أمام اختبار كبير بإنجاز المصالحة وعدم المجازفة بخسارة الدعم المصري أو حتى عدم إعطاء مبررات لمصر بجعله مثل ذكر النحل وتمهيد الطريق أمام دحلان لخلافته. كما أنه أمام تحد كبير يتعلق بنزع سلاح المقاومة وإعادة رواتب الموظفين في السلطة من المنتمين لحماس وغيرها من القضايا الحساسة بالنسبة إلى غزة.
حماس.. موافقة وأثمنة قد تدفع
بالنسبة لحركة حماس، فإنها بسعيها للمصالحة بقوة تسعى للتخلص من عبء إدارة قطاع غزة في ظل الأزمات التي اختلقها عباس برضى أطراف إقليمية وفي ظل الأزمات التي يعاني منها الإقليم والتي أدت إلى تراجع حاد في الدعم الذي تتلقاه.
كما ستجد حماس نفسها أمام تحدي الحفاظ على سلاحها في قطاع غزة والذي شكل لها عنصر حماية فضلا عن الدور الذي أداه في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة. وحتى لو تم تأجيل فتح هذا الملف في بداية المصالحة، فإنه سيظل عنصر تجاذب بين السلطة وتنظيم حماس المسلح الذي يزيد عدد أعضائه عن 30 ألفا.
وبما أن حماس تمتلك تنظيما كبيرا في غزة، فإنها ستجد صعوبة في البحث عن أدوار لمنتسبيه في حال تحولت إلى قوة مدنية ميدانية، وتقف عملية غياب الديمقراطية وتسلط أجهزة عباس الأمنية كعائق كبير أمام تطور دور حماس في غزة، فضلا عن أنها تواجه ملاحقة أمنية مشددة في الضفة.
غير أن الدور القيادي لحماس في غزة قد يتراجع، الأمر الذي سيدفعها للاهتمام أكثر بقوتها في الضفة على أهميتها الكبيرة في مواجهة العدو ومنافسة حركة فتح.
اللحمة الفلسطينية ومصالح الإقليم
لا يبدو أن إعادة اللحمة الفلسطينية تشكل أولوية عند سلطة عباس التي ستنشغل في تحصين نفسها أمام امتدادات دحلان ومحاولة مصر والإمارات فرضه كبديل للرئيس الفلسطينية وخصوصا إذا لم يحقق الحوار نتائجه المرجوة. وسيكون عباس في كل الأحوال مهتما جدا بتحقيق إنجازات أمنية في غزة كتلك التي حققها في الضفة الأمر الذي سيخلق تعارضا واضحا في المواقف ويعرض قطاع غزة لخطر الاقتتال الذي حرص الكل الفلسطيني على تجاوزه حتى الآن.
ولا شك أن قوة حماس بمقاومتها وتاريخها النضالي في غزة والضفة والشتات ستشكل استعصاء على السلطة ومصر وبقية الأطراف الإقليمية والدولية.
وفيما لا تفكر السلطة ولا مصر بإدماج حماس في الحكم فإن ذلك مستبعد فلسطينيا وإقليميا لأن برنامجها في السياسة والمقاومة لا يروق للقوى الإقليمية والدولية.
ومن هنا، فإن المصالحة تشكل تحديات لكل الأطراف أكثر مما تشكله من فرصة للقوى الفلسطينية للنهوض بالمشروع الوطني الذي سيظل بعيدا عن التوافق عليه بسبب التباعد في المواقف السياسية بين السلطة وحماس.