في وقت لا تزال تعاني فيه المدينة من مأساة الحرب والحصار الجائر، يجري الحديث عن مساع إماراتية بالتنسيق مع التحالف العربي، لتشكيل حزام أمني في تعز، على غرار الحزام الأمني في جنوب البلاد، الذي تم تشكيله برعاية إماراتية، في ظروف تختلف كثيرا عن الحزام الأمني الذي يجري التحضير لتشكيله في تعز.
عند النظر في ظروف تشكيل الحزام الأمني في جنوب البلاد، نجد أنه حدث في ظل غياب الأجهزة الأمنية، عقب تحرير مدينتي لحج وعدن من الإنقلابيين، وتولت
الإمارات تشكيل ورعاية هذا الجهاز، مستغلة الفراغ الأمني، وحوادث القتل والإغتيال في تلك الفترة، ودفعت باتجاه تشكيل هذا الجهاز، من المقاتلين في صفوف المقاومة الجنوبية، لكن الإمارات استخدمت الحزام الأمني لمهام أخرى لا تمت لحفظ الأمن بصلة، بقدر ماتدخل ضمن الحسابات الخاصة لأبو ظبي، وتحقيق مصالحها، والإضرار بالحكومة الشرعية.
في الوقت الراهن، تبذل الإمارات جهودها لتشكيل حزام أمني في تعز، لإيجاد موطئ قدم لها داخل المدينة المحاصرة، مع أن المعطيات على أرض الواقع تؤكد عدم حاجة المدينة لمثل هذا الجهاز الأمني، نظرا لوجود جهاز أمني يتمثل في الشرطة والأمن، الذي لا يزال في مرحلة التأسيس، فضلا عن وجود قوات الشرطة العسكرية، التي تتولى تأمين مناطق المدينة في الوقت الراهن، وتعمل على حل الإشكاليات التي تحدث بين الفينة والأخرى.
وإذا ما أضفنا لما سبق، قيام قوات الجيش الوطني بواجبها في ملاحقة الخلايا المسلحة، التي تورطت في عمليات اغتيال في السابق، وحاجة المدينة للتحرر كأولوية، فإن مبررات الإمارات لتشكيل حزام أمني في تعز، تصبح غير مقبولة، وغير مقنعة في ذات الوقت، ويمكن تفسير الطلب الإماراتي بتشكيل حزام أمني في تعز، من خلال النظر للمكاسب الإماراتية من إنشاء الحزام الأمني في عدن ولحج، وكيف تحول هذا الجهاز من مهمة حفظ الأمن، إلى تنفيذ أجندة أبو ظبي في جنوب البلاد.
تدرك السلطات الإماراتية الأهمية الجغرافية والسياسية لتعز، ولذلك عملت خلال عامين ونصف من الحرب على عرقلة تحرير المدينة، والعمل لإيجاد حلفاء لها على الأرض، لتنفيذ أجندتها في مدينة تعز، وأبرزها تقليص نفوذ حزب الإصلاح، وإخراجه من المشهد العسكري والسياسي، وسعت الإمارات لاستقطاب إحدى الكتائب العسكرية ذات التوجه السلفي، إلى صفها، مستغلة الصراع الفكري بين قائد هذه الكتيبة، وحزب الإصلاح، وقدمت أبو ظبي لهذه الكتيبة الدعم العسكري والمادي، في محاولة منها لإيجاد أرضية لها تستطيع من خلالها تنفيذ أجندتها المشبوهة في المدينة، لكن عدم تحمس هذه الكتيبة وقائدها، للخطة الإماراتية بما يكفي، دفع الإمارات للبحث عن خطة بديلة تكون أكثر توافقا مع أجندتها، فاستدعت قيادات عسكرية ومدنية من تعز إلى عدن، بهدف مناقشة تشكيل حزام أمني في المدينة، في محاولة لاستنساخ تجربة الحزام الأمني في جنوب البلاد، وتطبيقها في تعز.
هناك مثل شعبي يقول: من يجرب المجرب عقله مخرب، ومن غير المعقول أن تتكرر تجربة الحزام الأمني في تعز تحت أي مسمى، خاصة وأن تسمية الحزام الأمني تحمل في طياتها مزيج من المعاناة والمأساة للعديد من أبناء تعز، الذي تعرضوا لانتهاكات متنوعة من الحزام الأمني في عدن، شملت التهجير القسري، والاعتقال التعسفي، والاعتداء الجسدي والنفسي، كما أن مدينة تعز أساسا ليس فيها بيئة حاضنة للمشروع الإمارتي، بعكس بعض مناطق جنوب البلاد، حيث يوجد في تعز رفض شعبي واسع للمخطط الإماراتي، ورفض رسمي من الحكومة
اليمنية، وحتى ألوية الجيش الوطني والسلطة المحلية داخل تعز.
وبقدر ما تبحث الإمارات عن تحقيق مصالحها الضيقة في تعز، يبحث أبناء تعز عن حياة خالية من الحصار والقتل والدمار، وبقدر ماتضع الإمارات أجندتها في تعز كأولوية، تضع تعز وأبناؤها مسألة تحرير المدينة من الميليشيا الإنقلابية، وتفعيل مؤسسات الدولة كأولوية في المرحلة الراهنة.
وطالما اختلفت أولويات تعز عن أولويات أبو ظبي، فلا يمكن أن يصبح الحزام الأمني أولوية بالنسبة لمدينة تعز، ومن الصعب فرض مثل هكذا تشكيلات في أرضية غير صالحة لها.