لماذا ينتقصون مِن انتصار طالبان؟

مع سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، برزت في الأوساط العلمانية والليبرالية والأوساط المؤيدة للأنظمة العربية، نظرية المؤامرة التي نسبت انتصار طالبان إلى الجانب الأمريكي، وذهب البعض إلى استدعاء مقاربة مضللة، تشبه سقوط كابول بيد طالبان؛ بسقوط صنعاء بيد مليشيا الحوثي.

آخرون أبدوا تشاؤما حيال النصر الأفغاني، باعتباره يؤسس لسلطة المليشيا، وينسف مؤسسات الدولة. وهذه الرؤية تبناها بعض الانهزاميين، وشخصيات محسوبة على الربيع العربي. وبالنظر إلى جميع الآراء السابقة، نجد أنها تنطلق من أهداف متباينة، لكنها تصب في بوتقة الانتقاص من نضال مسلح لحركة إسلامية امتد لعشرين عاما، وتوّج بهزيمة المحتل الأمريكي ووكلائه في الداخل الأفغاني.

يمكن تفسير موقف الأوساط العلمانية والليبرالية من نصر طالبان، بأن هذه الأوساط لا تريد الاعتراف بأي نصر يحسب للحركة الإسلامية، أيا كان موقعها من الخريطة العالمية، فضلا عن كون ذلك يتعارض مع مبادئها التي تنبذ حضور الدين في معترك الحياة، ولو كان النصر الأفغاني تحقق على أيدي حركة قومية أو وطنية لا علاقة لها بالدين، لتغيّر الموقف على النقيض، ولأصبحت هذه الحركة إضافة لحركات التحرر التي ركّعت الغطرسة الأمريكية، وأجبرتها على إنهاء احتلالها.

الأوساط المؤيدة للأنظمة العربية، تتفق كثيرا مع النخب العلمانية في الانتقاص من نصر طالبان، في كون طالبان محسوبة على التيار الإسلامي الذي يواجه حرب استئصال من قبل الأنظمة العربية، وهذه الأوساط ترجع نصر طالبان إلى نظرية المؤامرة، لأن هذه النظرية تلغي عشرين عاما من نضال الحركة وتضحياتها، ولأن أي حديث عن نصر أفغاني قادته حركة إسلامية سيعطي دفعة إيجابية للحركات المضطهدة لعدم الاستسلام، والاستمرار في مقارعة الأنظمة العربية لسنوات طويلة، وهذا ما لا تريده هذه النظم ومؤيدوها.

أما الانهزاميون وهم خليط من تيارات فكرية متعددة تشعر بالضيم في ظل السلطات القائمة، فيبدو أن موقفهم من نصر طالبان يرجع أساسا إلى أسباب نفسية، يغلب عليها اليأس واستحالة التغيير في الخارطة الإسلامية المغطاة بالدم والقمع، ومن ثم يجري تفسير أي تغيير من أرضية يغلب عليها الشك والارتياب، والبحث عن تفسيرات انتقائية، تتناسب مع حالة اليأس التي تبث رياحها في أكثر من منطقة عربية وإسلامية.

الانتقاص من النصر الأفغاني تبنته شخصيات محسوبة على الربيع العربي؛ ما تزال تستنكف الخيار المسلح كطريقة للتغيير الإيجابي، وتتمسك بالخيار السلمي كخيار وحيد لتداول السلطة. وهذه الشخصيات اهتمت كثيرا بمسألة سيطرة طالبان على العاصمة تحت تهديد السلاح واعتبرت ذلك انقلابا على سلطة قائمة، لكنها لم تهتم للمسألة الأساسية، وهي أن سيطرة طالبان على العاصمة كانت في الحقيقة لحظة تاريخية لهزيمة المحتل الأمريكي، والمنظومة السياسية التي أفرزها الاحتلال قبل عشرين عاما، أضف لذلك أن الخطاب المدني الذي تحرص عليه هذه الشخصيات يجعلها في موقف محرج إذا دعمت الخيار العسكري، حتى ولو كان هذا الخيار فيه اندحار لمحتل وتحرر لأمة.

لقد أحدث انتصار حركة طالبان الذي لم يكن متوقعا حدوثه بهذه السرعة؛ هزة في منطقة تموج بالصراع بين أنظمة قمعية وشعوب مستضعفة، وما ردود الفعل الواسعة المؤيدة منها والمعارضة لهذا الانتصار، إلا تعبير عن تغيير ستصل رياحه إلى أماكن أخرى، وقد بدأت أنظمة بالفعل تدابيرها المضادة، لإفشال النصر الأفغاني وتحويله إلى مأساة، كتلك التي نعانيها في أكثر من قطر عربي.