يوما بعد آخر تتكشف الفظائع التي ارتكبها تنظيم "
داعش" في
العراق، مع خسارته التدريجية للمدن والبلدات التي اجتاحها مسلحوه، صيف 2014، وكانت تعادل ثلث مساحة البلد العربي.
فعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، خلف "داعش" مدنا شبه مدمرة كانت مسرحا لمعارك ضارية، فضلا عن برارٍ تنبعث منها رائحة الموت، وتتناثر فيها عشرات
المقابر الجماعية، تضم رفات أفراد أمن ومدنيين حكم عليهم التنظيم بالموت في محاكم اعتبرها "شرعية"، ليلقوا حتفهم غالبا برصاصة في الرأس من مسافة قريبة.
ومن آن إلى آخر، يعثر العراقيون على مقابر جماعية جديدة لضحايا التنظيم، أحدثها مقبرة في قضاء الحويجة، وقد وقف محافظ كركوك (شمال) بالوكالة، راكان الجبوري، على أطلالها، قبل أيام.
ويقع قضاء الحويجة على بعد 45 كلم جنوب غرب مدينة كركوك، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، وقد استعادت القوات العراقية السيطرة على القضاء، الشهر الماضي، بدعم من التحالف الدولي.
10 مواقع دفن
وقال محافظ كركوك بالوكالة راكان الجبوري، إن "المقبرة تقع وسط قاعدة (البكارة) العسكرية، التي كان يستخدمها الجيش الأمريكي إبان احتلاله للعراق (بدأ عام 2003)، ثم اتخذ منها تنظيم داعش موقعا لتنفيذ عمليات الإعدام، وطمر الضحايا".
وأوضح أن "المقبرة الجماعية كبيرة، وتتوزع على 10 مواقع دفن، ولا يمكن حاليا معرفة عدد المغدورين".
ومضى قائلا إن "شاهد عيان ساعدنا في الاستدلال على هذه المقابر، وهو راعي أغنام من أهالي المنطقة، أكد لنا أن المئات دفنوا هنا".
وأضاف الجبوري أن "إدارة محافظة كركوك تعمل على إكمال الإجراءات القانونية لفتح المقبرة، بهدف فحص جثث المغدورين، تمهيدا للتعرف على هوياتهم".
120 مقبرة
وهذه المقبرة هي واحدة من نحو 120 مقبرة تم الكشف عنها في العراق، منذ عام 2003، إبان بروز تنظيم القاعدة، ثم تنظيم "داعش"، الذي خرج من تحت عباءة الأول، وفق ضياء كريم، مسؤول دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة "الشهداء" الحكومية المعنية بضحايا الإرهاب.
وتابع كريم، أن "الغالبية الساحقة من المقابر تم الكشف عنها في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من داعش، خلال السنوات الثلاث الماضية، بينما هناك عدد قليل من المقابر يعود إلى تاريخ ما قبل ظهور "داعش"، ومسؤول عنها مسلحو القاعدة".
وأضاف أن "العدد في تزايد مستمر بعد تحرير المناطق واكتشاف مقابر جماعية بشكل مستمر، ولاسيما في محافظات ديالى (شرق) وصلاح الدين ونينوى وكركوك (شمال) والأنبار (غرب)".
إبادة جماعية
وفور سيطرته على المناطق الواقعة شمالي وغربي العراق، عند انهيار الجيش، عام 2014، تخلص "داعش" من عدد كبير من الجنود وأفراد الأمن، الذين وقعوا في قبضة مسلحيه، فضلا عن مدنيين من أبناء الطائفة الشيعية وقليات دينية، مثل الإيزيديين.
كما نفذ التنظيم عمليات إعدام في ساحات عامة بالمدن والبلدات، التي حكمها لثلاث سنوات، بعد إدانة الضحايا في محاكمه، بتهم متباينة، على رأسها معاداة ما تسمى بـ"الدولة الإسلامية" و"التخابر مع جهات معادية".
وفي حدث هو الأسوأ من نوعه بالعراق، قتل "داعش" قرابة 1700 طالب وجندي في كلية عسكرية بمحافظة صلاح الدين، في حزيران/ يونيو 2014، في مجزرة جماعية خلال يوم واحد، وفق الحكومة.
كما ارتكب التنظيم مجزرة كبيرة بحق الإيزيديين قالت الأمم المتحدة إنها ترقى إلى إبادة جماعية، عندما اجتاح معقلهم في قضاء سنجار، غرب مدينة الموصل (شمال)، في أغسطس/ آب 2014.
ولاحقا تم العثور على نحو 30 مقبرة جماعية.
ضائقة مالية
وباتت القوات العراقية على وشك استعادة كامل الأراضي من "داعش"، وتقاتل حاليا للسيطرة على آخر معقل للتنظيم، وهو عبارة عن شريط في محافظة الأنبار على حدود سوريا.
إلا أن ضحايا المقابر الجماعية لا يزالون يتوقون للتحرر من قبور حشروا فيها رغما عنهم، أملا في دفن لائق بمكان يتحول إلى مزار لمحبيهم وذويهم.
وقال مسؤول دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة "الشهداء"، ضياء كريم، إن "السلطات فتحت حتى الآن 25 مقبرة جماعية، لكن الضائقة المالية تحول دون إتمام عملية فتح المقابر الأخرى".
وتقوم مؤسسة "الشهداء" بفتح المقابر، وأخذ عينات من الحمض النووي لرفات الضحايا، ثم مقارنتها مع الحمض النووي لذوي المفقودين، للتعرف على هويات هؤلاء الضحايا.
ما بعد "داعش"
ويشكل هذا الملف واحدا من أبرز المهام الملقاة على عاتق الحكومة العراقية في مرحلة ما بعد تنظيم "داعش"، حيث لا يزال الآلاف من العراقيين ينتظرون معرفة مصير ذويهم المفقودين.
وقالت عضو مفوضية حقوق الإنسان (مستقلة مرتبطة بالبرلمان)، وحدة الجميلي، إنه "على الجهات المختصة بالمقابر الجماعية العمل لإنهاء هذا الملف".
وتابعت الجميلي، في تصريح للأناضول، أن "الأمر لا يقتصر على رفع الرفات فحسب، إذ لابد من إنهاء هذا الملف سريعا، وتجاوز كل انعكاساته، التي ما تزال تؤثر سلبا على أقارب الضحايا".
واعتبرت أن "حسم هذا الملف ضروري في المرحلة المقبلة، لبث الطمأنينة في نفوس آلاف الأشخاص من أجل تعويضهم أولا، ومن ثم تمهيد الطريق أمامهم لاستئناف حياتهم بصورة طبيعية".