مسيرات العودة السلمية التي ستنطلق الجمعة (30 آذار/ مارس 2018) في كافة مناطق قطاع
غزة الحدودية، بمبادرة من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار عن غزة، تشكل أحد أشكال العمل السياسي السلمي المشروع للشعب
الفلسطيني، ولكنها تأتي في مرحلة حساسة جدا للقضية الفلسطينية، في ظل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الغاصب، الأمر الذي يكسبها زخما وقوة في مواجهة القرار الأمريكي الذي يشمل ضمن صفقة القرن إغلاق ملف
اللاجئين والقفز على حقهم في العودة وتشريع الاستيطان.
وتشمل المسيرات أيضا الضفة الغربية ومناطق 48 ومناطق تواجد اللاجئين الفلسطينيين في دول الطوق (الأردن ولبنان وسوريا)، ولكنها تتركز في غزة، حيث تسهّل لها سلطة الأمر الواقع العمل والانطلاق والرعاية، كما تدعمها الفصائل في القطاع، الأمر الذي يعطيها قوة وفعالية.
وترسل مسيرات غزة رسالة للعدو بأنه لن يتمكن من فرض الصفقة حتى وإن دعمتها بعض الدول العربية، كما ترسل رسالة للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بأن حماس لن تجعل من القطاع مقرا للكيان الفلسطيني، حتى مع الحديث عن توطين اللاجئين في سيناء وضمها لهذا الكيان.
وحماس بهذا الشكل ترد على عباس الذي شن هجوما كبيرا عليها وحرق سفنه معها، متهما إياها بأنها تتآمر لتمرير الصفقة التي يتخوف من أن تكون على حسابه كرئيس وعلى حساب سلطة التنسيق الأمني التي يتولاها!!
ويرى المنظمون أن تلك المسيرات تضع
إسرائيل في زاوية الاتهام في ما يتعلق بقضية حصار غزة، ولكن المدلول الأهم هو تسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه حماس في تعطيل الصفقة حتى لو تمت المصالحة الفلسطينية.
فعاليات سلمية منظمة
وشددت الهيئة على أن الفعاليات لا تنتمي لأي حكومة أو تنظيم مُعين، فكافة الأطر الفلسطينية والفصائل والفعاليات والفئات ستكون مشاركة وحاضرة. وجددت التأكيد على أنها لم تدعُ للالتحام مع الاحتلال وجها لوجه وأن دعواتهم واضحة وهي أنها ستكون سلمية شعبية غير مُسلحة، دون حمل سلاح، أو مناوشات.
ودعت المشاركين للالتزام بتعليمات اللجنة الوطنية العُليا لإنجاح الفعاليات، وعدم ترك مجال للاحتلال لارتكاب أي حماقة بحق المشاركين، ليكونوا لقمة سائغة للاحتلال، والابتعاد بالفعاليات مسافة 700 متر من الحدود.
وتعبر هذه المسيرات عن الشعور الجامح للاجئين الفلسطينيين بالرغبة في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها، ولكن دون أن يترافق ذلك مع عمل سياسي لاستثمار الحدث، خصوصا من السلطة التي تتجنب أي تصعيد أمني مع الاحتلال، وستسعى لضبط وإبعاد المشاركين عن الحدود.
وتأتي المسيرات في الوقت الذي قررت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقليص الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، والتي تقدم مساعداتها لنحو نحو 1.5 مليون نسمة في غزة، يشكلون ربع اللاجئين البالغ نحو ستة ملايين، كما يشكلون أيضا 65 في المئة من إجمالي سكان القطاع.
ومع كل هذه الاستعدادات، فإن إمكانية تطور الحدث إلى مواجهات مع الاحتلال تظل واردة في قطاع غزة، خصوصا إذا قام عدد من المشاركين باجتياز الحدود أو التظاهر أمامها مما يعرضهم لإطلاق النار، وقد يجر الأمر إلى مواجهة غير مرغوبة بين إسرائيل وحماس!
تخوفات إسرائيلية
ومن هنا، تأتي التخوفات والاستعدادات الإسرائيلية من إمكانية قيام بعض المتظاهرين باختراق السياج (جدار الفصل الأمني) والاحتكاك مع الجنود، ما قد يؤدي إلى مخاطر أمنية.
وتوقع أكثر من محلل عسكري إسرائيلي أن بعض الفلسطينيين قد يتسلقون الجدار الفاصل، ويتوجهون نحو الشمال باتجاه المستوطنات اليهودية، دون أن ينجح جيش الاحتلال في وقف تقدم الجماهير الفلسطينية، التي قد تنجح بالسيطرة على بعض التجمعات السكانية الإسرائيلية بمدينة عسقلان، حسبما يقولون.
وبجانب المشاركة الفلسطينية المتوقعة في هذه المسيرات بمناطق قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وفلسطينيي الداخل، فإن توترا قد تشهده الحدود مع الأردن ولبنان. ولكن الإسرائيليين يرون أن مسيرات الأردن ولبنان ستخضع لسيطرة السلطات هناك، فيما لا يمكن ضبط مسيرات غزة التي ستنطلق في ضوء حصار خانق على القطاع من قبل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية!
ويتخوف الكيان من مسيرات غزة التي إن فلتت من عقالها فستؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة، خصوصا وأنه تتوقع مشاركة ربع مليون فلسطيني في القطاع فيها، وستستمر حتى ذكرى النكبة في آيار/ مايو. ولذلك حشد العدو العديد من قادته على الحدود مع غزة، واستعد للمسيرات بالأسلاك الشائكة والتأهب الأمني واستخدام طائرات مسيرة لإطلاق القذائف المسيلة للدموع.
وفي ظل توجس العدو من اختراق الحدود أو إطلاق الصواريخ عليه، فإنه قد يبالغ في ردة فعله على ما يجري في غزة، ويرتكب حماقات تؤدي لمقتل فلسطينيين!
وماذا بعد؟
وفي ظل التقدير أن المسيرات تشكل تظاهرة سياسية إعلامية ولا تحرك الوضع السياسي الرسمي الفلسطيني، وفي ضوء فشل المصالحة الفلسطينية، فإنه من المهم التنفيس المضبوط للفلسطينيين. ولكن ذلك يبقى مخطورا وغير محسوبا بدقة، خصوصا أن مكاسبه ستكون محدودة مقابل خسائره المتوقعة. ولسنا هنا في إطار تقييم هذا الفعل الجماهيري، ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار السيناريوهات السيئة المترتبة عليه طالما أن حماس - وكذلك إسرائيل - ليست معنية بحرب قد تكون نتائجها كارثية على الفلسطينيين!
ويسعى الفلسطينيون إلى إبقاء بوصلة المواجهة مع الاحتلال فقط، وتشكل المسيرات دعما لهذا الخط ومكسبا لقضيتهم، ولكنها تحتاج إلى البناء السياسي عليها في فلسطين ودول الطوق، وهذا الأمر بعيد المنال للأسف؛ في ظل أوضاع الحكومات هناك.
وفي إطار سعي العدو لتجنب أي تداعيات لهذه المسيرات عليها، خصوصا في ضوء الدعم السياسي اللامحدود الذي يتلقاه من حكومة ترامب، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن حكومة الاحتلال أجرت اتصالات مكثفة، في الأيام الأخيرة، مع كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية في رام الله، بهدف إحباط اندلاع الغضب الفلسطيني في يوم الأرض، خاصّة في ضوء مسيرة العودة الفلسطينية التي يُفترض أن تنطلق من داخل قطاع غزة باتجاه السياج الحدودي.
إن هذه المسيرات، خصوصا تلك التي ستجري في قطاع غزة، قد تطلق شرارة جديدة في الصراع مع العدو، ولكن مساهمتها في فرملة صفقة العصر ستظل محدودة في ضوء حصار غزة الخانق، وشعور الجماهير فيه بالحاجة إلى حل مشكلاته عبر إتمام المصالحة الفلسطينية.
وعلى هذا، فإن حماس تواجه مشكلة في غزة تتمثل في عدم قدرتها من الاستفادة من دعم الجماهير في قطاع غزة في أي مواجهة مقبلة مع العدو للأسباب التي ذكرناها سلفا، مع أنها ستساهم بقوة في إحباط صفقة العصر.
وستظل الأنظار متجهة نحو الضفة وفلسطينيي الداخل لتحريك الشارع الفلسطيني والعربي للوقوف بوجه صفقة القرن، وصيانة الحقوق الفلسطينية.