ليس لي "سابق معرفة" بالشركسيات وجمالهن، وجل ما أعرف من القوم هو "الديك الشركسي"!
وعندما كتبت من قبل عن العائلة الأباظية في مصر، كان هذا من باب أن الشيء بالشيء يُذكر، وفي سياق أن "العرق التركي" كان دائماً في مصر يمثل امتيازاً، ومدعاة للفخر، ولهذا يحدث كثيراً أن نجد من تدّعي أن فيها عرقا تركيا، أو أن جدتها تركية، ربما للتأكيد على جمال ليس له وجود.. والأمر كله كان في سياق عام خاص بتجربة أردوغان في السلطة، والتي يتم تشويهها في مصر، وهو تشويه ينال من الأتراك عموماً، تاريخا وحاضراً، ووصل الحال إلى قيام محافظ القاهرة بمحو اسم السلطان "سليم الأول" من أهم شارع بمنطقة الزيتون بالقاهرة، فقد اكتشف القوم الآن أنه كان محتلاً لمصر!
وقد تساءلت إن كانت التفاخر بالجدة التركية قائماً الآن مع حملة التشهير بالأتراك، وفي حديثي عن "الأباظية"، عدت بذاكرتي إلى كتاب قديم لابن العائلة الراحل الدكتور إبراهيم الدسوقي أباظة، لكن الأمر أثار الكاتبة الأردنية المعروفة "توجان الفيصل"، فأرسلت رداً أوضحت فيه، أن "أباظة" شركس، وليسوا أتراكاً، وأنها هي الأخرى "أباظة". وقد قرأت لها قبل سنوات مقالاً عن أصولها الشركسية، وكانت معلوماتي كما قلت لا تخرج عن "الديك الشركسي"، وهو ديك يتسم بعدم وجود شعر كثيف حول رقبته؛ التي تشبه في طولها رقبة الزرافة، ويقول في وصف أحد بالديك الشركسي، إن كان معتزاً بذاته، وسريع الغضب، أو حنبلي كما تقول في مصر!
الأمر كله في سياق عام خاص بتجربة أردوغان في السلطة، والتي يتم تشويهها في مصر، وهو تشويه ينال من الأتراك عموماً، تاريخاً وحاضراً، ووصل الحال إلى قيام محافظ القاهرة بمحو اسم السلطان "سليم الأول"
رسالة "توجان الفيصل" التي سأنشر نصها بعد قليل، كانت سببا في قيامي بالبحث في السلالة الشركسية، وقد قرأت تقريرا يفيد بأن عددا من الفنانين المصريين هم شراكسة في الأصل مثل "ميمي شكيب"، و"شويكار"، و"حسين فهمي"، و"نهال عنبر"، على عكس ما هو شائع عنهم من أنهم أتراك، عدا "نهال عنبر"، التي لم يقل أحد قبل هذا التقرير شيئاً عن هذا الانتماء العرقي لها. وفي مصر كان الشائع عن هؤلاء الفنانين أن فيهم "عرقاً تركياً"!
وتؤكد "توجان الفيصل" ما هو صحيح، من أن الشراكسة ليسوا أتراكاً. لكن الخلط مرده إلى هجرة الشركس إلى تركيا قديماً. وقد جاؤوا لمصر مع الدولة الأيوبية في سنة 1171، مستجلبين في الجيش الذي حارب الحملات الصليبية على المدن العربية، وفي مقدمتها القدس. وكان اثنان من أهم قادة جيش صلاح الدين الأيوبي من الشركس.
وفي تقرير لصحيفة "فابروسيك" الروسية، يؤكد أن تاريخ الشركس يرتبط بشكل وثيق بالإمبراطورية العثمانية.
وربما لهذا يؤكد من ينتمون للسلالة الشركسية أنهم "أتراك"، أو أن فيهم "عرقاً" تركياً، وربما لهذا كان الشائع عن "أباظة" أنها تركية، فتدخلت "توجان الفيصل" لتؤكد، باعتبارها "أباظة" أيضاً، أنهم شركس وليسوا أتراكا!
و"شركس" ليس هو رب العائلة الشركسية، فهو اسم يطلق على جميع الشعوب التي كانت تسكن في شمال القوقاز، بما فيها الشيشان!
يؤكد من ينتمون للسلالة الشركسية أنهم "أتراك"، أو أن فيهم "عرقاً" تركياً، وربما لهذا كان الشائع عن "أباظة" أنها تركية، فتدخلت "توجان الفيصل" لتؤكد، باعتبارها "أباظة" أيضاً، أنهم شركس وليسوا أتراكا!
الأنثروبولوجيا الفيزيقية حلت هذا الإشكال، فلم يعد هناك عرق نقي، وهى علم يدرس سمات السلالة البشرية، وبعد عدة قرون من الاختلاط بين الشركس والأتراك لا يوجد تركي خالص أو شركسي نقي، وإن كان هذا التمييز من شأنه أن يحل مشكلة مستحدثة خاصة بالذين يدعون وصلاً بالجنس التركي، والجديد هو حملة التشويه لكل ما هو تركي، بسبب الخلاف السياسي بين النظام التركي والعسكر في مصر. أما كونه خلافا جديداً، فإن عسكر الانقلاب الأول في سنة 1952، لم تكن لديهم مشكلة مع الوجود العثماني. وإذا كان محمد على باشا ألبانياً في الأصل، فهو جزء من الدولة العثمانية، وعندما فكر عسكر 1952 في مرجعية لهم، فاضلوا بين تجربة الحزب الوطني برئاسة مصطفي كامل، وتجربة محمد علي باشا، باني مصر الحديثة، فاختاروا أن يكونوا امتداداً للأخير!
المشكلة إذن في ما جد في مصر في تموز/ يوليو 2013، فالحاكم المصري عسكري جاء بانقلاب، في حين أن أردوغان حاكم مدني جاء بإرادة الناس، وقد ناصر الثورة المصرية واختيار المصريين الذين انقلب عليه العسكر، وكانت تجربته ملهمة للمصريين، مثلها مثل تجربة "مهاتير محمد" في ماليزيا. وكان المصريون يعتقدون أن بلادهم يمكن أن تصبح "تركيا" أو "ماليزيا" قبل أن يقع الانقلاب العسكري المعادي لأردوغان. ولأن تجربته صبت في رصيد الإسلاميين العرب، فاتخذه العسكر عدوا!
المشكلة في ما جد في مصر في تموز/ يوليو 2013، فالحاكم المصري عسكري جاء بانقلاب، في حين أن أردوغان حاكم مدني جاء بإرادة الناس
حل المشكلة يكون بإعلان من كانوا يدعون وصلاً بالأتراك أنهم شركس، وأن فيهم عرقاً شركسياً، أو أن جدتهم شركسية، لكن هل سيفهم عوام الناس مدلول ذلك وعلاقتهم بالقوم لا تخرج عن معلوماتهم عن الديك الشركسي؟!
تقول "توجان الفيصل" في معرض الفخر، أن أصولها إقطاعية "وقد لا ترضى أنت عنها لذلك.."، ولا أعرف من أين جاءها هذا الاعتقاد!!
***
والآن إلى رسالة "توجان الفيصل":
الأستاذ سليم عزوز.. تحياتي
"ورد في مقالتك على "عربي21" المعنونة: "هل لا تزال جدتك تركية" معلومة غير دقيقة.
"أباظة" ليست اسما يطلق على فتاة، كونه اسم عرق وهم سكان أبخازيا. والأباظة ليسوا أتراكا، قوميا و"عرقيا"، ولكن يوجد في تركيا عدد كبير من الأباظة، ليس فقط بعد هجرة الشراكسة إثر حروبهم مع روسيا القيصرية، بل ومن قبلها بقرون كونه توجد علاقات تاريخية قديمة بين تركيا وأبخازيا، وتعود لقرون قبل الميلاد، بعضها سلمي وفيها مصاهرات، وبعضها حربي. وأعرف هذا جيدا لكوني "أباظية " وكلا والدي ووالدتي من عائلة "ياغان" الإقطاعية، وقد لا ترضى أنت عنها لذلك ولكنها حقيقة تاريخية. ووجود الياغان في تركيا كبير. وكعائلة إقطاعية، فإن وجودهم في مواقع سلطة سياسية في الإمبراطورية العثمانية وقبلها متوقع، حيث المناصب كانت للعائلات الإقطاعية. وقد وصلني عبر باحثين في الأصول الشركسية أن "عدلي باشا" أباظي من الياغان، وأن اسمه "يكن" واسم عائلته "ياغان". ومنطقيا شخص متعلم ومن عائلة إقطاعية متنفذة "وراثيا" ويحتل مناصب مسؤولية لا يسجل اسمه الثاني بتسمية ضمن تحبب عائلية (أو لمز من خارج العائلة تقول إن نفوذه مستمد من خاله)، بل يسجل منذ مولده ويحتفظ، بل ويصر على استعمال اسم عائلته. ولو جاز هذا لأصبح اسمي "تيجان" كما اختار الأردنيون تسميتي تحببا، وبخاصة الشعراء (أيضا لمزا في غيري وفهمك معول عليه). ولكن كتابة اسم بأحرف لغات أخرى غالبا ما يحرف لفظه، وأنا أعاني من هذا دائما في لفظ اسم جدي "قلاجري" (الجيم تلفظ هنا كما في اللهجة المصرية)، وكان أبي يكتبه "قله كري"؛ لأن فصل الكلمتين المشكلتين للاسم واستعمال الكاف أقرب للفظ الصحيح للاسم الذي يعني بالتركية " القلعة الخلفية". ولكن هذا الاسم لا يعني أن عائلتي أصبحت تركية.. والأهم أن لا شيء من هذا ينفي أن هويتي السياسية التي اخترت بكامل حريتي (ولهذا حاول ويجول كل من لا ينتمون لا لشعوبهم ولا حتى لقومهم مصادرة حريتي) "قومية عربية" و"ديمقراطية".
أما جمال الشركسيات" فالاعتراف به كصفة عامة لقوم وبالتالي وراثية لحد كبير (وليس بالضرورة شاملة لكل شركسية) جار تاريخيا وليومنا هذا في كامل المنطقة.. و"كلك نظر" أستاذ سليم، وليس فقط "في وجهك نظر".
توجان فيصل"