هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على مخيم اليرموك في سوريا، الذي أضحى بمثابة مقبرة للاجئين الفلسطينيين، ورمزا لانقسام مواقفهم بشأن الصراع السوري، علما بأن قوات النظام السوري قد استعادت هذا المخيم، الواقع جنوب العاصمة دمشق، من قبضة تنظيم الدولة يوم 21 أيار/ مايو الجاري.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مخيم اليرموك الذي تأسس سنة 1957، كان يضم قبل سنة 2011 قرابة 150 ألف فلسطيني، أما اليوم فلم يتبق فيه سوى مئتي لاجئ تقريبا.
وتشير التوقعات إلى أن نحو مئة ألف فلسطيني قد غادروا سوريا مع قوافل المهاجرين نحو أوروبا والبلدان المجاورة.
وذكرت الصحيفة أن العديدين يرون في مخيم اليرموك، المخيم الأكبر في الشرق الأدنى، مجرد مخيم عادي يحتضن اللاجئين، إلا أن دوره يتجاوز ذلك بكثير.
ويعد المخيم حاضنة للهوية العربية، وفضاء موسعا للنشاطية، ومكانا اختلاط اقتصادي وثقافي. وعلى امتداد ستة عقود، خدم هذا المخيم، الذي تبلغ مساحته اثنين كلم مربع، أبناء الشتات الفلسطيني.
وأشارت الصحيفة إلى أنه يوم 15 أيار/ مايو سنة 2011، الذي تزامن مع إحياء ذكرى النكبة، خرج قرابة 700 ألف فلسطيني من بين المزارعين وسكان المدن للتظاهر على الحدود الإسرائيلية للمطالبة بحق العودة، من بينهم فلسطينيون يقيمون في مخيم اليرموك.
وتم الترتيب لخروج المظاهرات من المخيم عبر منظمات شبابية والنظام السوري والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة الموالية لدمشق والمعادية لحركة فتح.
في ذلك اليوم، قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة فلسطينيين في هضبة الجولان، التي تحتل إسرائيل جزءا منها منذ سنة 1967.
تلاعب النظام
وفي الخامس من حزيران/ يونيو سنة 2017، تجمهر فلسطينيون من مخيم اليرموك في المنطقة ذاتها، سقط منهم 23 متظاهرا على يد جند الاحتلال.
واستغل النظام السوري سقوط هؤلاء القتلى على أمل أن يوجهوا أنظار العالم بعيدا عن الانتفاضة التي تهدف للإطاحة بالأسد، التي جابهها النظام مباشرة بالقمع الدموي.
وفهم فلسطينيو مخيم اليرموك أنهم كانوا ضحية تلاعب، فأقدموا على إحراق مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة في المخيم.
وتساءلت الصحيفة عن موقف أبناء مخيم اليرموك من الثورة السورية التي بدأت تكتسب طابعا عسكريا.
وفي هذا الإطار، خير غالبية فلسطيني مخيم اليرموك ومعظم فصائلها السياسية، من بينها حركة فتح، الحفاظ على مبدأ الحياد.
واستقر الفلسطينيون على هذا الخيار تجنبا لتكرار المأساة التي لحقت بفلسطينيي لبنان، الذين كانوا ضحية تدخل منظمة التحرير الفلسطينية في الحرب الأهلية التي قطعت أوصال بلاد الأرز بين سنتي 1975 و1990.
رغم عدم تعاطفهم مع بشار الأسد، الذي عمل والده حافظ الأسد على دحر الفدائيين التابعين لياسر عرفات خلال الثمانينيات، إلا أن فلسطيني سوريا كانوا يتمتعون بظروف معيشية أفضل مقارنة باللاجئين المقيمين في دول عربية أخرى.
فقد استقبلت سوريا العديد من اللاجئين الفلسطينيين، لكن أقل من لبنان والأردن مقارنة بعدد سكانها، وقد منحهم النظام البعثي الحقوق ذاتها التي كان يتمتع بها المواطن السوري.
ونوهت الصحيفة إلى أنه مع تفاقم الأزمة السورية، بات سقوط النظام السوري مسألة وقت، الأمر الذي دفع بشار الأسد إلى الاستنجاد بقوات فلسطينية تعاضد قواته وموالية لنظامه؛ وهي كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وفتح الانتفاضة.
ومع نهاية صيف سنة 2011، تكفل هذا الذراع الفلسطيني الموالي للأسد بمراقبة المخيم ومساجده التي كانت تشكل مركزا لتنظيم الاحتجاجات ضد النظام السوري. في المقابل، "انضم فلسطينيون محسوبون على حركة حماس إلى كتائب المعارضة السورية المسلحة"، بحسب الصحيفة.
وفي تقرير نشر سنة 2014 في مجلة الدراسات الفلسطينية، ذكر الصحفي نضال بيطاري الأوامر التي نقلها ضابط سوري من الموالين للنظام في المخيم خلال شهر شباط/ فبراير سنة 2012، قال فيها "اضمنوا الهدوء في اليرموك، فهو ليس أحب إلينا أكثر من بابا عمرو". وقصد الضابط بأن مخيم اليرموك سيقصف بدوره كما قصف حي بابا عمرو في حلب.
انتهاء مبدأ الحياد
وقالت الصحيفة إنه يوم 16 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2012، قصفت طائرة سورية من نوع "ميغ" المخيم ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.
وفي اليوم التالي، تحجج النظام بأن قوات من الجيش السوري الحر، وجبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، اقتحمت مواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، والسيطرة على مخيم اليرموك. ليعتبر النظام أن مبدأ الحياد الذي انتهجه أبناء المخيم مع بداية الثورة السورية قد انتهى.
وفي الختام، تحدثت الصحيفة عن الخلافات الداخلية التي هزت قوات المعارضة، ما شكل فرصة لجماعات متطرفة مسلحة لاستغلال الموقف. فقد اقتحم تنظيم الدولة المخيم بمساعدة من جبهة النصرة في غرة نيسان/ أبريل سنة 2015، قبل أن تستعيد قوات النظام السيطرة عليه فيما بعد.
وعن حماس، قالت الصحيفة بحسب مصادرها، إن "الحركة قررت إيقاف دعمها لهم، وأخذت تتطلع نحو تجديد العلاقات مع الحليف القديم إيران وحزب الله، أهم داعمي بشار الأسد ونظامه"، وفق قولها.