المتابع للشأن القضائي والعدالة في
مصر لا يشك أنه أصبح أداة سياسية وطيّعة للسيسي في مواجهة معارضيه، والتنكيل بهم، وإظهاره أنه يسير وفقًا للقانون أمام العالم، ولا يتدخل في
القضاء. وللأسف أصبحت منصة القضاء مشينة ومشوهة ببعض الشخصيات التي اختيرت لتلك المهمة، ولا تجيد قراءة جملة واحدة بشكل صحيح، ناهيكم عن الأخطاء الكارثية في قراءة بعض الآيات القرآنية!
هذا النموذج الذي تفرّد به السيسي، وشوه به رمز العدالة والقضاء المصري، جعله أضحوكة للعالم، لم يسبقه أحد من قبل في تاريخ مصر الحديث، برغم الظلم الذي وقع على المصريين طيلة حكم العسكر، وما اشتهر في عهد عبد الناصر بمذبحة القضاة، ولكن السيسي ذبحهم بطريقة أخرى، من ناحيتين، أنه شوه صورتهم بعد أن كانت ناصعة، وفي ذات الوقت استخدمهم أداة في مواجهة خصومه، كأنهم وحدة عسكرية في كتيبة يديرها ضابط بطريقة هزلية.
أقول هذا الكلام بمناسبة أحكام
الإعدام الأخيرة التي صدرت في 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، حيث قضت الدائرة 28 إرهاب، بمحكمة جنايات جنوب القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار حسن فريد، بالإعدام شنقًا للداعية صفوت حجازي، والدكتور محمد البلتاجي، والدكتور عصام العريان، والدكتور عبد الرحمن البر، والدكتور طارق الزمر، والمهندس عاصم عبد الماجد والمهندس عمرو زكي و68 من أصل 739 متهمًا في قضية "فض اعتصام رابعة العدوية"!
تسييس القضاء
وهؤلاء مجموعة من خيرة أبناء مصر، ثاروا ضد الظلم والطغيان، وشاركوا في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، التي يحاربها السيسي بكل الوسائل، وينكّل بكل من ساهم، أو ساعد في إطلاق شرارتها، والأحكام الصادرة عن القاضي حسن فريد المُكلّف بإدارة ملف "قضايا العنف والإرهاب"، دليل على ذلك.
ومن هذه الأحكام التي أصدرها:
ـ في سبتمبر/ أيلول 2012 أصدر أحكامًا على عدد من الشباب فيما أطلق عليه "قضية تنظيم التوحيد والجهاد" بالعريش، ولفّق لهم تهم قتل 3 ضباط بينهم ضابطا شرطة وضابط بالقوات المسلحة، وعاقبهم بالإعدام شنقًا، وقضى بالسجن المؤبد على 4 منهم.
ـ وفي يناير/ كانون الثاني 2014 أصدر حكمه على الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان، عقب أحداث 30 يونيو/ حزيران، حيث عاقبه وآخرين بالسجن المؤبد في هزلية ما أُطلق عليها "قطع طريق قليوب"، فضلاً عن الحكم على الدكتور عبد الرحمن البر والدكتور محمد عبد المقصود بالإعدام شنقًا.
ـ أصدر حكمه في الدائرة التي يرأسها بهزلية “تفجير مترو شبرا الخيمة”، والتي أصدر أحكامًا بمعاقبة 37 معتقلًا على ذمتها بالسجن المشدد لمدة 15 سنة، وعاقب حدثاً بالسجن 3 سنوات. وأصدر حكمًا بمعاقبة 104 معتقلين في قضية "أحداث عنف الظاهر".
ـ وأصدر فريد، أحكامًا بالإعدام والمؤبد والمشدد في مسرحية "اغتيال النائب العام" هشام بركات، كما أنه أصدر حكمه في "أحداث مجلس الشورى"، المتهم فيها الناشط علاء عبد الفتاح وآخرون، بالتظاهر دون إذن، وعاقب "عبد الفتاح" بالسجن المشدد 5 سنوات.
ـ وفي مارس/ آذار 2015 أصدر أحكامًا بالإعدام، على 213 معتقلاً في قضية "أنصار بيت المقدس"، بدعوى ارتكاب عشرات العمليات الإرهابية.
ـ وواصل أحكامه الصادمة، وكان من بينها القضية المعروفة إعلاميًا بـ "أحداث كفر الشيخ"، وجاء حكمه بالحبس المشدد لـ 73 معتقلًا لمدة 15 عامًا، والسجن المشدد 10 سنوات لـ 9 آخرين بتهمة محاولة اقتحام قسم شرطة كفر الشيخ.
ـ وأصدر حكمًا بمعاقبة المعتقلين في قضية "خلية الماريوت" بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات.
هذه بعض الأحكام القضائية التي أصدرها المستشار حسن فريد، وتدل على أنه عُيّن من قِبل سلطة الانقلاب لإصدار مثل هذه الأحكام الجائرة.
ماذا يريد السيسي لمصر؟!
هذا النوع من القضاء هو النموذج الذي يريده السيسي في كل مؤسسات الدولة، بمعنى أنه على أي مسؤول الانصياع لأوامره وتوجيهاته، بشكل يختصر المسألة في أن هذه الدولة ملك لشخص يتصرّف فيها، كيفما يشاء دون حساب أو رقيب، وكل من يعترض على سياساته وممارساته، سيناله العقاب الشديد، إما السجن بأحكام قاسية، أو التهميش والإبعاد، أو التشهير والتشويه، أو القتل وهذا أقرب وأسهل الحلول في دولة السيسي!
ومن ثمّ بعد أن أفقر السيسي المصريين، وأمَّم كل مشاريع الدولة لصالح القوات المسلحة، وعسكر كل مؤسسات الدولة، وأصدر مثل هذه الأحكام على رموز مصرية مشهود لها بالوطنية، وخدمة الدولة المصرية، ناهيكم عن إهدار التراب الوطني، ومقدرات مصر لصالح غير أهلها، وعدوها، يريد أن يرسل بعض الرسائل منها:
أولًا: أن كل ما يرنو إليه الصهاينة في المنطقة، ويودون تحقيقه، فسوف يجدونه خادمًا لمشروعهم، ومنفذًا لقراراتهم. فبعد أن كان حسني مبارك الكنز الاستراتيجي لإسرائيل أصبح السيسي، صاحب الفضل الأول على (إسرائيل) في تحقيق أحلامها، وتنفيذ أجندتها ليس في مصر فحسب، ولكن في المنطقة برمتها.
ثانيًا: السيسي يريد من هذه الأحكام القاسية توصيل رسالة لكل من يعترض عليه، مفادها أنه سوف يتعامل معه بكل شدة وقوة، وظهر ذلك حينما أراد الفريق شفيق الترشح لرئاسة الجمهورية، بإسكاته وتهديده، وسجن الفريق عنان، وقنصوة، لذات السبب، وإبعاد كل المعارضين أو المختلفين معه في القوات المسلحة، وتغيير كل من يشتمَّ أنه لديه رأي، أو رؤية في مؤسسات الدولة، والتعامل بكل قسوة مع السياسيين الذين يعترضون على سياساته، على الرغم أن بعضهم أيدووه في انقلابه على المسار الديمقراطي، وما حدث أخيرًا مع السفير معصوم، وآخرون دليل على ذلك.
على أية حال المسألة شديدة التعقيد، ولن يرتدع السيسي عن غيّه وصولجانه، ولن تكون هذه آخر الأحكام أو نهايتها، بل سيتبعها إجراءات أخرى، كان آخرها التحفظ على أموال أكثر من 1500 معظمهم من الإخوان المسلمين، وعشرات الجمعيات الأهلية، والمدارس، والشركات الخاصة، وأتصور أنه لن يكتفي بذلك، بل سيسعى بكل ما يستطيع لوأد أي حلم لكل مصري، أو بارقة أمل لإعادة روح يناير من جديد.
ومن ثمَّ على من اختاروا الصف الثوري ضد ممارساته واستبداده، أن يفكروا بطريقة أخرى، وبداية ذلك العمل المشترك، والتوافق على الحد الأدنى الذي يفهمه الشارع المصري، ولا أمل في تقديري إلا على جهود المخلصين من أجل إنقاذ هذا الوطن المسلوبة حريته، المهدورة كرامته وإرادته.