هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينغز كوليج في لندن، أندرياس كريغ، يتناول فيه الأهداف "الشريرة" لحملة أبو ظبي ضد الإسلام السياسي.
ويبدأ كريغ مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن أبو ظبي أسست لنفسها بصفتها قوة في مجال الرقابة الإلكترونية، فاستخدمت قدراتها السايبرية ليس فقط للتخريب، لكن بهدف التجسس والتآمر وتحويل الروايات إلى سلاح؛ من أجل تقويض المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويقول الكاتب إنه "خلافا للحكمة التقليدية، فإن السياسة الإماراتية أبعد ما تكون عن العلمانية، فخطاب التسامح والتعايش الديني ليس تعبيرا عن قوة ناعمة تهدف لمواجهة الإسلام السياسي وإضعاف الإسلاميين في المنطقة فقط، بل إنه يخدم بصفته قشرة، وإن كانت فارغة من الناحية الفكرية، لنشر شكل من الإسلام يتسم بالهدوء السياسي".
ويشير كربغ إلى أن "الإمارات تدرك جيدا قوة الدين والأيديولوجية في تعبئة وتثبيط المجتمعات المدنية في العالم العربي، ومن هنا فإن دعمها للصوفية هو أي شيء لكنه ليس علمانيا، فهي تخدم كونها أساسا أيديولوجيا ودينيا لسياساتها الخارجية العدوانية في المنطقة".
ويلفت الكاتب إلى أن "أبو ظبي كانت منذ بداية القرن الحالي في حالة من الهجوم، وتنشر ما أسمتها (الخصوصية الإماراتية)، التي تقوم على حريات اجتماعية واقتصادية نسبية، لكنها تتبنى في الوقت ذاته الفصل بين المسجد والدولة".
ويفيد كريغ بأن "البعض حاول الثناء على نموذج أبو ظبي على أنه يشبه الديمقراطية الجيفرسونية: دولة في الشرق الأوسط تنشر العلمانية في المنطقة هي بالضرورة هدية للمحافظين الجدد في الغرب والليبراليين وغير الليبراليين الذين ينظرون لدور الإسلام في دول الشرق الأوسط نظرة إشكالية".
ويرى الأكاديمي أن "السرد الإماراتي صمم وبطريقة مقصودة لجذب الجمهور الغربي، خاصة الأمريكي في مرحلة ما بعد 11/ 9، وبروز الإسلاميين في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وصعود تنظيم الدولة، لكن حملة أبو ظبي ضد دور الإسلام في المجال السياسي لها هدف شرير آخر: منع تسييس المجتمع المدني واحتكار السلطة السياسية والاجتماعية والقوة وتكريسها في يد الدولة".
ويعتقد كريغ أن "خوف أبو ظبي من الإسلاميين، الذي يصل إلى حد الجنون، متجذر بالخوف من القوة الناعمة للإسلام الإسلامي، وكون أفراده المعارضين التقليديين للأنظمة الشمولية في المنطقة".
ويرى الكاتب أن "القلق من الإسلام السياسي وسط النخبة الحاكمة في الإمارات نابع من الاعتقاد بأن سرديات الإسلام عندما يتم دمجها بالسياسة فإنه لا يمكن للدولة أو النظام السيطرة عليها، بشكل يخلف دينامية سياسية- اجتماعية قادرة على تقويض الوضع القائم، ويعد الربيع العربي مثالا على هذا الاتجاه، وبالتالي، فإنه مع انهيار الوضع الشمولي القائم عام 2011 سارعت الإمارات في حشد القوة المالية والعسكرية لتشكيل مستقبل المنطقة ومسارها السياسي والاجتماعي".
ويقول كريغ: "من ليبيا إلى مصر واليمن والسودان، كانت الإمارات في مقدمة الثورة المضادة، وحاولت تنصيب ودعم الأنظمة التي تستطيع احتواء المجتمع المدني، ودعمت الحكم العسكري بشكل يحصنها من جاذبية الإسلام السياسي، لكن ما كانت الإمارات بحاجة له هو سرد بديل، يستطيع (تبييض) عمليات القمع ومكافحة الإرهاب ونشر (التسامح) العلماني".
وينوه الكاتب إلى أن "الصوفية، التي تعد هادئة، وتبتعد عن السياسة، ومرتبطة بقيم الإسلام، قدمت للإماراتيين ما يبحثون عنه من سرد بديل مقبول للذائقة الغربية".
ويقول كريغ إن "أبو ظبي، باعتبارها القائدة في مكافحة الإرهاب، استخدمت الصوفية وبمهارة لتقديمها على أنها (الإسلام الحقيقي) والقادرة على علاج التطرف النابع من السلفية، وفي الوقت ذاته تقديم رؤية وجودية ساذجة لمكافحة التطرف، تقوم في الأساس على البعد اللاهوتي، ما يعني بالضرورة تجاهل الأدلة العملية للعوامل السياسية والاجتماعية التي تدفع إلى التطرف، ومن أجل هذا أقامت أبو ظبي مراكز دعوية في ليبيا ومصر والإمارات، التي أوكلت لها مهمة نشر النسخة من الإسلام التي تبدو في النظرة الأولى هادئة، مع أن النظرة القريبة منها تكشف عن تسييسها واستخدامها أداة، ولا تختلف عن بقية أشكال الإسلام السياسي الأخرى".
ويشير الباحث إلى أنه "عندما عقد عام 2016 مؤتمر غروزني، الذي مولته بشكل مشترك الإمارات ومصر، ونسقه الرئيس الشيشاني رمصان قديروف، وهو الصديق الشخصي لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، دعا المشاركون فيه للعودة إلى الإسلام (الحقيقي)، الذي يرفض النشاط السياسي، فإن الرسالة كانت سياسية".
ويلفت كريغ إلى أنه "عندما دعا منبر الإمارات لنشر السلام في المجتمعات الإسلامية، برئاسة الشيخ عبد الله بن بية، إلى الفصل بين المسجد والدولة، كانت الرسالة سياسية أيضا، وتدعو إلى منع تسييس المجتمع المدني، وتدعو إلى طاعة الحاكم المسلم باعتبارها قيمة إسلامية".
وينوه الكاتب إلى أنه "في السياق ذاته عندما قام تلميذ ابن بية، الشيخ الأمريكي حمزة يوسف، بتحريم الخروج على الحاكم المسلم، فإن الرسالة لم تكن صوفية بل سياسية، وعندما قام عارف النايض، الباحث في الصوفية من ليبيا، بتولي منصب سفير بلاده في الإمارات، ويدير الآن مركز أبحاث إسلامية في أبو ظبي اسمه (كلام)، واعتبار الثوريين الإسلاميين في ليبيا إرهابيين، فإن الرسالة كانت سياسية أيضا".
ويعتقد كريغ أن "الصوفية التي استخدمت أداة إماراتية ونشرت عبر المراكز الدعوية والمؤتمرات والباحثين، لم تصبح موازنا هادئا ضد السلفية، بل أصبحت تقدم المبرر الأخلاقي لقمع المعارضة السياسية والمجتمع المدني، ومنحت بالضرورة أساسا عقديا للموازنة الأخلاقية بين الإسلامية والإرهاب، وهما عنصران مهمان في استراتيجية التواصل التي تنتهجها أبو ظبي في المنطقة".
ويقول الكاتب إنه "عندما يقوم خليفة حفتر بالقصف العشوائي والعنف ضد الحكومة المعترف بها في طرابلس، وعندما يقوم عبد الفتاح السيسي باستخدام العنف ضد معارضيه، أو عندما يقوم المجلس الانتقالي الجنوبي بفتح معسكرات وسجون تعذيب في جنوب اليمن، تبادر المراكز وشبكات التضليل بتوفير المبرر الأيديولوجي لهذه الإجراءات".
ويجد كريغ أنه "بعملها هذا فإن الإمارات قامت بتسييس علمنة السياسة بصفة ذلك وسيلة تجعل من أهداف سياستها الخارجية معقولة، وأصبحت أداة لتقديم الشرعية للنظام في ليبيا ومصر وأبو ظبي، وظهرت بصفتها مكونا رئيسيا في خطاب (التسامح) الذي يدعو للتعايش بين الأديان، وفي الوقت ذاته إضفاء الشرعية للتعصب ضد من يعارضون الوضع السياسي الاجتماعي القائم".
ويخلص الكاتب إلى أن "استخدام الدين الذي تمارسه أبو ظبي خلق قطبية ثنائية كاذبة بين الصوفية والأشكال الأخرى من الإسلام السياسي، واحد يسيطر عليه النظام، والآخر يسيطر عليه المعارضون له".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)