المشاهد التي ساقتها الكاميرات لحالة النزوح في جنوب
إدلب، بتلك الأعداد الضخمة، ثم سقوط معرة النعمان بيد عصابات الاحتلالين الروسي والإيراني، مع استمرار المعارك في ريفي حماه وحلب، كل ذلك يؤكد الخديعة التي جرى تسويقها في اتفاقيات خفض التصعيد التي وقع عليها الروس والأتراك والإيرانيون على مدار ثلاثة أعوام.
لا يمكن لإنسان سويّ أن يتصرف ببرود وهو يشاهد المأساة الجديدة التي حلت بالمواطنين جنوبي إدلب، فما بالك إذا كان يمتلك القدرة على التدخل، فضلا عن أن يكون طرفا في اتفاق يضمن حياة هؤلاء المواطنين؟
موقف تركيا محير للغاية؛ فالدولة التي تتحدث دائما عن وقوفها إلى جانب السوريين، تخلت عنهم في أشد اللحظات الحرجة، وتركتهم يواجهون آلاف الغارات والصواريخ التي اضطرتهم لمغادرة منازلهم إلى المجهول.
تتحمل تركيا جزءا من المسؤولية كونها كانت جزءا من لعبة لم تجر على السوريين إلا القتل والدمار، واستمرار صمتها تجاه ما يجري في إدلب لا يمكن توصيفه إلا بالرضا عن إبادة تتعرض لها المعاقل الأخيرة للثورة ويقطنها ملايين المواطنين.
ما حدث في معرة النعمان كان كارثيا ومأساويا إلى أبعد ما يمكن للغة الكلام أن تصفه، فالمدينة التي ظلت تتنفس الثورة، لقرابة ثمانية أعوام أضحت اليوم بأيدي من ثارت عليهم، بعد معركة غير متكافئة بين مواطنين عزّل تقف معهم تشكيلات عسكرية محدودة التسليح والدعم، وبين ثلاثة جيوش تسندها مليشيات متعددة الجنسيات، وسلاح الطيران الذي أحرق المدينة بصورة هستيرية. وكانت النتيجة استشهاد المئات وتشريد مئات الآلاف الذين تحولت منازلهم إلى خرائب تسكنها الغربان.
في ما مضى استخدم النظام الأسدي والاحتلالين الروسي والإيراني سياسة الأرض المحروقة، في مدن وبلدات حمص وريف دمشق ودرعا، وما يحدث اليوم في إدلب ليس إلا استكمالا لهذه السياسة القذرة التي حققت هدفها بنسبة كبيرة، في ظل صمت وتواطؤ ما يسمى المجتمع الدولي، وتآمر وإسناد من أنظمة العار العربية.
إن المأساة التي تعيشها إدلب اليوم، لا يمكن فصلها عن المأساة التي تعيشها مدن عربية وإسلامية، وهذا يتطلب حالة تلاحم حقيقية بين الشعوب انطلاقا من الأرضية الإسلامية تضغط بكل ما أوتيت من قوة لإيقاف ما يحدث من كارثة في إدلب وغيرها من المدن الأخرى، بعد أن فشلت القومية والوطنية في توحيد الشعوب وحشت عقولهم بالشعارات البرّاقة والخادعة.