قضايا وآراء

حرب الـ"كورونا": لماذا يصمت القانون؟

1300x600
1300x600

مقولة قديمة تصدق دوما في ذات ظرفها، وهي "إذا التقت السيوف سقط القانون"، والسقوط هنا لا يحمل معنى الإلغاء فقط، بل معنى إعلان الوفاة، وهذا الوصف يحمل من الصدق ما يجعله مبدأ راسخا لم يأت على العالم ظرف يدحضه أو يثبت عكسه، ولو حفرنا سطح الكرة الأرضية لوجدنا للقانون قبورا كثيرة، بعدد الحروب.

 

اليوم العالم بأسره، جميع دوله، وجميع بشره، يقف على قدم وساق بانتظار الموت بسبب فيروس كورونا، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية بأنه "جائحة عالمية"؛ بل يوجد رؤساء حكومات دول من أعلن ما "يشبه اليأس" من مجابهته بسبب كثرة المصابين والموتى، وقلة الحيلة والتدبير مع الأحياء من شعبه، وآخر يصارح شعبه بأن "المزيد من العائلات ستفقد أحبابها قبل أن يحين وقتهم"، ورئيس أقوى دولة يطلب اللجوء إلى الصلوات، وغيرهم من المسؤولين لهم ما لهم من مشاركات يائسة وأحيانا بائسة.

 

حقيقة ما يحدث يصدق عليه من ناحية صحية وصف جائحة؛ ولكن الأمر العجيب أن يقف أمر دول العالم وشعوبها عند هذا التوصيف الضعيف، ولم ينتقل إلى ما بعد ذلك، أو ما يجب أن يترتب عنه، وهو المعالجة القانونية المصاحبة، إذ الجائحة رتبت على الدول التزامات وطنية داخلية، سواء تفعيل قوانين الدفاع والطوارئ، أم قرارات داخلية على أعلى مستويات المسؤولية للمجابهة والحد من تأثيره.


ولكن الغريب العجيب هنا، عدم تدخل مؤسسات الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن في هذا الأمر، لإعطائه توصيفه القانوني المناسب، فهي حرب عالمية بكل معنى الكلمة؛ أشد فتكا وأسرع انتشارا من الحرب التقليدية، فحرب الدبابات أقل أثرا، وأضيق انتشارا من هذه الحرب التي يشهدها اليوم هذا الجيل، بعد أن تراكم على خبرها (الحرب الجرثومية) في كتب التاريخ غبار النسيان.

 

أين القانون الدولي الذي نراه في نزالات هشة بين الدول أو الجماعات؟؟ أين أدواته التي صاغها من معاناة البشرية وآلامها ودمائها؟ لماذا يتم تجاهلها عن سبق إصرار وترصد؟؟


تاليا، بعض من أدوات كثيرة صامتة على المستوى الدولي، وغيرها الكثير على المستويات الوطنية فيما يتعلق بهذه الحرب الخطيرة:


أولا/ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي عنوانه "فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان"، فإن المادة 39 تنص على أنه: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه".


اشتهر هذا الفصل باستخدامه في انتهاكات أقل أثرا من هذه الجائحة، التي ما زالت تحصد أرواحا باتت أرقاما يراقبها ويترقبها العالم، إلا أنها لم ترق في ضمير مجلس الأمن إلى رتبة "تهديد السلم الدولي أو الإخلال به"!!


ثانيا/ اتفاقية حظر استحداث وإنتاج الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير هذه الأسلحة، 10 نيسان/أبريل 1972:


المادة الأولى: تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن لا تعمد أبدا، في أي ظرف من الظروف إلى استحداث أو إنتاج أو تخزين ما يلي، ولا اقتنائه أو حفظه على أي نحو آخر:


1- العوامل الجرثومية أو العوامل البيولوجية الأخرى، أو التكسينات أيا كان منشؤها أو أسلوب إنتاجها من الأنواع، وبالكميات التي لا تكون موجهة لأغراض الوقاية أو الحماية أو الأغراض السلمية الأخرى. 


2- الأسلحة أو المعدات أو وسائل الإيصال الموجهة لاستعمال تلك العوامل أو التكسينات في الأغراض العدائية أو المنازعات المسلحة.

 

المادة الثانية: تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن تقوم، في أقرب وقت ممكن، خلال فترة لا تتجاوز على أية حال تسعة أشهر بعد بدء نفاذ الاتفاقية، بتدمير جميع العوامل والتكسينات والأسلحة والمعدات ووسائل الإيصال المعينة في المادة الأولى من هذه الاتفاقية، التي تكون في حوزتها أو خاضعة لولايتها أو رقابتها، أو بتحويلها للاستعمال في الأغراض السلمية، ويراعى في تطبيق أحكام هذه المادة اتخاذ جميع التدابير الوقائية الضرورية لحماية السكان والبيئة.

 

أليست هذه الاتفاقية فاضحة وكاشفة لما يحدث اليوم؟  وهل تحتاج إلى تعليق؟ أليس ما يحدث من قتل اليوم هو بوساطة أسلحة خبيثة مجرمة محرمة؟؟ أليس استخدامها جريمة تامة الأركان يبقى فقط تحقيق بسيط ومحاكمة علنية وعقوبة ليرضى الضمير العالمي والفطرة البشرية؟

 

ثالثا/ مصنع القوانين الأمريكي: دأبت أمريكا على صناعة القوانين التي تمس مصلحتها فقط أو مصلحة غيرها من الدول اللصيقة، واليوم، والعالم يتساقط في الطرقات أمام نظر الأمريكان والعالم بأرقام تزداد، لدرجة أن الكرة الأرضية قد تحول لونها إلى لون الدم الأحمر القاني، وما زالت النفوس تتساقط وتتزايد، فإن راعية الحداثة والرفاهية في العالم لم تتقدم لتقدم أي مساعدة للدول التي تعاني من حربٍ، أصابع الاتهام فيها موجهة إلى فئة الدول الأعلى التي تتحكم في مصائر الشعوب.

 

غابت الأمم المتحدة أو غيبت لتغض الطرف عن الأمم التي تجتاحها جائحة قد تقتلعها من جذورها، وغابت الدول العظمى التي تدعي رعايتها للأمم ورفاهيتها، وما عادت أرقام الناس الذين يتساقطون يوميا تمثل لهم إلا أرقاما يمكن تعويضها، أو يجري فعلا الإعداد لتعويضها وفق متطلبات أنانيتها القاتلة.

 

لغاية الآن، وما يدعو للعجب والاستغراب والاستنكار، لم تتقدم دولة واحدة من مجلس الأمن لفتح تحقيق فيما يجري، وتنسيق الجهود للحد من أثره، أو الحد من انتشاره، ومساعدة الدول التي لا تقدر على مجابهته، بل لاحظنا تنصل دول وتجمعات دولية من التزاماتها التعاهدية، وكأن هناك خطة مدروسة لضرب روح التعاهد والتعاضد بين المجموع في سبيل إعلاء الفردية الأنانية، واعتماد التشتيت والتفرقة للفوز بالسيادة؛ إنها حرب جديدة، ونتائجها باتت شبه مضمونة، والفائز دخل مرحلة الصمت بانتظار الانقضاض على المصارعين الجرحى المنهكين.. سقط القانون أيها السادة.. وسينبت قانون آخر.


إنها حرب، والحرب ليست بحاجة إلى إعلان، فمظاهرها تنبئك عنها، والمقولة الآن: استخدمت الدول العظمى الكورونا، فسقط القانون في قبر أول ميت بالوباء. وأن ما بعد حرب الكورونا لن يكون كما قبلها. وأصبح المبدأ الآن: الرؤوس الكبيرة في العالم متهمة حتى تثبت براءتها.

التعليقات (1)
ماجدالنجار
الأحد، 29-03-2020 07:21 ص
اصاب التقرير عين الحقيقه. انها ال المؤامره التي نضع بها رؤوسنا بالرمال حتى لا نعيها