هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للحقوقيين جاكوب متشانغاما وسارة ماكلوغلين قالا فيه إن جائحة فيروس كورونا تسببت بأن تقوم الحكومات في أنحاء العالم باتخاذ إجراءات طوارئ، وتعليق الكثير من الحريات التي يعتبرها المواطنون أمرا مفروغا منه.
وجاء في مقال المجلة أن كثيرا من هذه الإجراءات ضروري
لحفظ الأرواح. و "لتسطيح المنحنى" من خلال التباعد الاجتماعي، يجب علينا
أن نكون مستعدين للتضحية ببعض الحريات لأجل سلامة زملائنا واصدقائنا وعائلاتنا.
وأضاف الباحثان الحقوقيان أن عددا متزايدا من
الحكومات تستغل الطوارئ الصحية لقمع الانتقادات والمعلومات غير المرغوب فيها من
خلال سن قوانين ضد المعلومات الكاذبة. وقد حذر المنادون بحرية التعبير مما يدعى
حظر الأخبار الكاذبة، خشية أن تكون، في أفضل الأحوال، مجهودا بنية حسنة ولكن بسوء
فهم لمعالجة مشكلة حقيقية، وفي أسوأ الأحوال، سلاح آخر يضاف إلى ترسانة
الدكتاتوريين.
وهناك أمثلة كثيرة من تطبيق تلك القوانين على المنتقدين والمعارضين بدلا من أن تكون علاجا للتضليل. وأدت هذه القوانين في مصر وسنغافورة إلى محاكمة المحامين والناشطين ضد التحرش والسياسيين المعارضين والمؤسسات الرقابية.
ولاحظا أن تفشي فيروس كورونا تسبب بانتشار الكثير من
المعلومات المضللة، تفشيا حقيقيا يشكل تحديا لجهود الاحتواء. ولكن يخشى أن تكون
القوانين ضد الأخبار الكاذبة هي دواء آثاره الجانبية أسوأ من المرض نفسه. ففي
أنحاء العالم يرى الزعماء غير الليبراليين – الذين يواجهون أسئلة حول استعدادهم
للتعامل مع الجائحة التي قتلت حوالي 45 ألف شخص في وقت تبدو فيه دول قليلة مستعدة
للتحدي – في سن قوانين حظر على الأخبار الكاذبة أداة جيدة لقمع النقد والمعلومات
الدقيقة بنفس الأسلوب الذي يتم فيه قمع المعلومات المضللة.
وفي كمبوديا، وجدت منظمة "هيومان رايتسووتش"
بأنه تم اعتقال ما لا يقل عن 17 شخصا بتهم بث الأخبار الكاذبة بسبب تعليقاتهم
المتعلقة بفيروس كورونا. ويتضمن السجناء "أربعة أعضاء أو مؤيدين للحزب
المعارض المحلول حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، ولا يزال كلهم في الاعتقال السابق
للمحاكمة"، بالإضافة لفتاة مراهقة تم اعتقالها والتحقيق معها من قبل الشرطة
لأنها كتبت على مواقع التواصل أنها تخشى انتشار فيروس كورونا في منطقتها.
وفي تايلند، تم اعتقال رجل بعد أن اشتكى على فيسبوك
من غياب الإجراءات الوقائية في مطار سوفارنبهومي في بانكوك. وكتب إن المطار لم يجر
أي غربلة للمسافرين لفرز المصابين بكورونا عليه أو على زملائه المسافرين لدى
عودتهم من برشلونة، بالرغم من كون الإصابات بكورونا في اسبانيا فاقت الصين، المركز
الأصلي للوباء. وكان اعتقاله جزءا من حملة أوسع ضد الأشخاص الذين ينشرون
"المعلومات المضللة"، والتي ورد فيها انتقاد لجهود تايلند في مواجهة
التفشي. وتضمنت هذه الحملة التهديد بالمحاكمة والإقالة وعقوبات ضد الصحافيين
والعاملين في الصحة الذين أشاروا إلى الضغط الذي تسبب به فيروس على نظام الصحة
العام في البلد.
وفي تركيا ومنذ 16 آذار/ مارس، قامت
السلطات بتحديد ما لا يقل عن 93 مشتبه به مسؤول عن نشر تعليقات "مثيرة وغير
صحيحة" على مواقع التواصل الاجتماعي حول فيروس كورونا وتم اعتقال 19 منهم.
ونقلت رويترز أن وزارة الداخلية التركية تسعى لاعتقال مستخدمي وسائل التواصل
الاجتماعي الذين استهدفت مقالاتهم "مسؤولين والذين ينشرون الخوف و الذعر باقتراحاتهم
أن الفيروس انتشر على نطاق واسع في تركيا وأن المسؤولين لم يتخذوا إجراءات
كافية". ولكن بعد عشرة أيام فقط،
نشرت نيويورك تايمز تقريرا حول ارتفاع كبير في حالات الإصابة بكورونا في تركيا، متجاوزة
معدلات التفشي في معظم البلدان الأخرى. ومع أن هذا غير مناسب سياسيا للحكومة
التركية، إلا أنه قد لا يكون كاذبا، أن نقترح أن تركيا مثل أمريكا وأيطاليا
واسبانيا ليست مستعدة بما فيه الكفاية لمواجهة تهديد فيروس كورونا.
كما أن عددا آخر من الدول غير الليبرالية مثل مصر
وأذربيجان وروسيا وإيران والفلبين وهندوراس وسنغافورة تتخذ خطوات مشابهة بمضايقة
الصحفيين وسن قوانين جديدة تستهدف قمع الأخبار الكاذبة أو تستخدم القوانين
الحالية لاستهداف المحتوى غير المرغوب به على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن حتى الدول الملتزمة رسميا بالديمقراطية أصابتها
العدوى حيث هناك ميل صعب المقاومة لمكافحة فيروس كورونا بفرض الرقابة. وعلى صفحتها
الرسمية على الانترنت تحذر حكومة جنوب أفريقيا "أي شخص يخلق أن ينشر اخبارا
كاذبة حول فيروس كورونا، كوفيد -19 بأنه معرض للمحاكمة". وفي ولاية
هيماتشالباراداش في الهند تم اعتقال صحافي بتهم نشر "الأخبار الكاذبة"
حول كوفيد-19 على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هنغاريا، حيث تتراجع الديمقراطية على مدى طويل في
ظل حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان اللاليبرالية، منح تفشي فيروس كورونا أوربان
بفرصة لتقوية وتوسيع سلطته. وفي 30 آذار/ مارس مرر البرلمان قانون طوارئ تمنح
أوربان "سلطات واسعة للحكم من خلال المراسيم وبدون تحديد تاريخ واضح لانتهاء
[هذه الصلاحيات]"، بحسب ما ورد في صحيفة الغارديان. وأحد بنود القانون
المخيفة هو عقول "السجن لفترات تصل إلى خمس سنوات لأي شخص يروج للمعلومات
الكاذبة، التي تقلق العامة أو يعطل جهود الحكومة لحماية الناس"، بحسب
الغارديان. هذا القانون بتعريفاته الغامضة والواسعة هو هدية لدكتاتوري أثبت
كراهيته للصحافيين والناقدين.
وانتشرت هذه الجرثومة لمنصات التواصل الاجتماعي
نفسها. حيث تحاول كل من فيسبوك ويوتيوب وتويتر المواءمة بين ضمان نشر المعلومات
الضرورية للشعوب المتأثرة مع الحد من انتشار المعلومات المضللة التي قد تكون ضارة
– وبعضها مدعوم من الدول. ولكن وبسبب إجراءات الإغلاق، تزايد استخدام الرقابة
الآلية على المحتويات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي باستخدام خوارزميات
بدلا من البشر، والتي ألغت مقالات صحفية مبحوثة بشكل جيد من مصادر إعلامية موثوقة
مثل ذي أتلانتك أو نيويورك تايمز. هذه النتيجة غير المقصودة تبرز بوضوح مخاطر
أخطاء الرقابة في أوقات الطوارئ الحقيقية.
وصحيح أن الكثير من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي – وحتى بيانات الحكومات – حول فيروس كورونا كانت بدون قصد غير دقيقة أو أسوأ من ذلك، كاذبة بشكل متعمد بقصد نشر الذعر والتعصب. وكل ذلك قد يستحق الرد، سواء لضمان أن الأخبار أن تتم مواجهة المعلومات الطبية المضللة بالمعلومات الصحيحة أو للتعبير عن الدعم للمجموعات التي تم استهدافها بالخطاب العنصري. ولكن الحظر على "الأخبار الكاذبة وما تجلبه من ضرر للمجتمع المدني والمساعدة التي تقدمها للمستبدين فهي قوانين يصعب هضمها.
وترى المجلة أن شفافية المعلومات أصبحت ضرورية لاحتواء هذه الجائحة، يجب تحديد أي
رقابة تفرضها الحكومة، وكشفها ورفضها. وجعلت الآثار المدمرة للرقابة في الصين خلال
الفترة الأولى من انتشار الوباء هذا الأمر جليا. فلو لم تقم الصين ابتداء بالرقابة
على المعلومات التي ادعت أنها "كاذبة" في كل خطوة من خطوات تفشي الفيروس
– حيث هددت وأسكتت الأطباء ومن دقوا أجراس الإنذار والصحافيين ومستخدمي الإعلام
الاجتماعي – ربما كان من الممكن أن يكون مواطنوها أكثر استعدادا وأخذوا احتياطات
أفضل تساعد على الحد من انتشار العدوى. (وهذا بالطبع لا يبرئ الزعماء مثل الرئيس
دونالد ترامب المسؤولين عن إخفاقاتهم في الاعداد الجيد للتفشي أو تحذير مواطنيهم
من المخاطر).
وفكرة أن على الحكومات تحمل حتى المعلومات الكاذبة
والمضللة أمر غير منطقي في وقت فيه الناس في أنحاء العالم يتعطشون للمعلومات
الأكيدة والتي يمكن الاعتماد عليها حول التفشي الذي يهدد ملايين الأرواح من البشر.
في مثل هذه الأوقات من المغري المطالبة بفعل سريع وطارئ لمكافحة أولئك الذين
يقوضون الجهود القومية والعالمية من خلال بث المعلومات المضللة. ولكن دائرةالتغذية
الاسترجاعية – والتي سيكون كثيرا منها خطأ أو لا يعتمد عليه – ضرورية لجهود التعرف
على التعرف على أكثر الردود فعالية وايصالها للشعب.
وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات قاسية وغير مسبوقة لمكافحة
فيروس كورونا. ولكن الرقابة ليست جزءا من العلاج، وكلما استخدمها الدكتاتوريون
أكثر كلما رأينا أنها أعراض مرض آخر.