كتاب عربي 21

"أردوغان" في الوجدان المصري!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لم نكن بحاجة إلى دليل جديد ليكشف حقيقة وزير الأوقاف المصري، فهو ليس أكثر من مخبر، كان مندوباً لجهاز الأمن لدى مجلس إدارة الجمعية الشرعية للعاملين بالقرآن والسنة، وعندما قامت الثورة، ووصلت ريحها لشيوخ الجمعية، مع أنها لا تعمل بالسياسة، فكان الطلب المرفوع هو عزله وتطهير الجمعية من وجوده، وهو ما تم بالفعل!

بيد أن الرجل الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، التحق بالعهد الجديد، وتحدث بلسان الثورة، وكأننا أمام نموذج من الدعاة الثوريين، وكأننا أمام الشيخ عبد الحميد كشك. ويقع الخطأ على الدعاة، الذين لم يهتموا بكشف حقيقته لمن يجهلونها، تماما كما تم التستر على مخبر آخر تم تقديمه على أنه "خطيب الثورة" بواسطة أحد الدعاة. وهل يمكن أن يحسب على الثورة ليرتقي إلى مرتبة خطيبها، من كان معيناً إماما وخطيباً بمسجد الدولة، وهو جامع عمر مكرم الذي يقع في قلب ميدان التحرير، والذي ظل لعقود عنوانا رسميا للعزاء في الشخصيات الكبرى؟!

مؤخراً تم تسريب خطبة قديمة، للدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، من الواضح أنها في الأسابيع الأولى للثورة، يستشهد فيها بكلام عن الاستبداد للدكتور محمد عمارة، ويستدعي أبياتا من الشعر لشعراء عراقيين، ثم يعرج فيؤيد رجب طيب أردوغان، والذي كان تأييده في هذه الفترة من لوازم المرحلة الثورية، وكل ما فعله "جمعة"، أنه تماهى مع خطاب المرحلة بكل تفاصيله، وإن كان الأمر مختلفا الآن!

وقد استولت الثورة المضادة على الحكم، ليعود مختار جمعة سيرته الأولى مجرد تابع لأجهزة الأمن، بدرجة وزير أوقاف، وهو الذي أذل نفسه بالتقرب للإخوان من أجل منصب رشحه له شيخ الأزهر، ورفض أن يعينه فيه الرئيس محمد مرسي. وليست المشكلة في أن يكون له خطاب ثوري، يهاجم فيه الطغاة والمستبدين الذين يقفون أمام سنة الله في التداول، فكثير من الشيوخ فعلوا هذا، رغم ارتباطاتهم الأمنية السابقة، ومن عمرو خالد إلى خالد الجندي، لكن اللافت هو فيه حرصه على اكتمال الخطاب، بالإشادة بالرئيس التركي، الذي لم يكن يحتكره تيار بعينه، وهذا هو بيت القصيد!

في موسم الدعاية:

فالتجربة الأردوغانية كانت حاضرة في مصر الثورة، وكل يدعي وصلاً بها، وهي باتساعها اتسعت للجميع في موسم الدعاية الانتخابية، ومن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلى حمدين صباحي، وانتهاء بالفريق أحمد شفيق (مرشح الدولة القديمة)، وهو الأمر اللافت الآن، وإن لم يكن لافتا وقتئذ!

لقد صدرت صحيفة يومية منحازة للفريق شفيق ذات صباح بمانشيت تمدد على ثمانية أعمدة؛ يفيد بأن المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق هو "أردوغان مصر". وكانت هذه دعاية رابحة، في هذا الموسم، فإذا كان المرشحون الذين ينتمون للثورة من المدنيين، يشيرون إلى تجربته باعتبارها نجاحا "الحاكم المدني" في دولة عريقة في الحكم العسكري، فإن أنصار المرشح العسكري الفريق شفيق، كانوا يرون في تجربة أردوغان، أنها تمثل النجاح في مجال التنمية ولكونها مضرب الأمثال في مصر، إلى درجة أن الإشارة إلى هذه التجربة تكفي اختصاراً للوقت وللجهد. فالفريق أحمد شفيق، وزير الطيران في عهد مبارك، وآخر رئيس حكومة يعينه الرئيس المخلوع، يقول أنصاره إنه قادر على النجاح في إدارة الحكم، ومبشر بمصر القوية والفتية كما فعل أردوغان في تركيا.

إن اسم أردوغان كان كالطبل في مصر في هذه المرحلة، ولم يكن شأناً خاصاً بالإخوان المسلمين أو بالمرشح الإسلامي، بل إن أول تجربة لاحتكاره من قبل التنظيم فشلت، وكان قد حضر لمصر، واستقبله الإخوان الجماعة في المطار، للإشارة إلى أنه يخصهم هم، لكن تصريحاً بخصوص علمانية التجربة التركية، لم يتحملوه، ولدى سفره لم يودعوه كما استقبلوه، فلم يشغلوا بالهم بالوقوف على ما يقصده بعلمانية الدولة، ووجدوا أنفسهم في حل من أن يتحملوا في دعايتهم نموذجاً للحكم يصف نفسه بـ"العلمانية". ولم يسئ إليه التصريح لدى الرأي العام الذي هو أكثر وعياً في بعض القضايا من النخبة، لتصبح التجربة التركية مشاعاً لمن يريد البناء بعيداً عن الحزبية الضيقة.

البناء والتنمية:

ولعل الجماعة الإسلامية في مصر استلهمت اسم حزبها بعد ذلك من حزب أردوغان "العدالة والتنمية"، لتسمي حزبها "البناء والتنمية"، ولم يكن بإمكانها أن تأخذ الاسم كاملاً لأن هناك حزباً اسمه "العدالة"، فضلاً عن أن حزب الإخوان المسلمين هو "الحرية والعدالة"، ويمنع قانون الأحزاب التشابه بين أسماء الأحزاب.

فالتجربة التنموية هي المهمة وهي المطلوبة جماهيرياً، لا سيما وأن الرأي العام كان قلقاً على حال مصر بعد الثورة ويخشى عليها من الفشل، والتجربة التركية ثابتة وواعدة، وأردوغان يمثل نموذج الحاكم القوي بدون طغيان!

لكن بوقوع الانقلاب العسكري، تغير الموقف، وصار أردوغان موضوعاً للهجوم عليه في وسائل الإعلام بهدف ضرب تجربته في وجدان الناس، لأنها تمثل دليلا على فشل النظام العسكري الفاشل في مصر!

لقد بدأ الرأي العام في مصر ينظر لجانب مهم في التجربة، وهي أنها خاصة بالحاكم المدني الذي أنهى حكم العسكر، وأنها نموذج للحاكم المدني القوي، فليست القوة مرتبطة دائما بالرجل العسكري. ثم إن أردوغان مع قوته يعمل من أجل شعبه ومن أجل أمته، ومن هنا كان طبيعياً أن يعاديه النموذج المواجه له، والذي يرأسه عسكري فاشل!

الانحياز للرئيس المنتخب:

وإذ وقع الانقلاب العسكري فلم يكن موقف أردوغان على الحياد، فقد أعلن عن انحيازه للرئيس المنتخب ورفضه العدوان على إرادة المصريين. ثم إن بلاده استقبلت المستضعفين في مصر، ولم يكن هذا سبباً وجيهاً للعداء!

إن ارتباط الرئيس عمر البشير بمصر في عهد الرئيس محمد مرسي كان وثيقاً، ثم إن السودان كانت ممراً للهاربين من مصر عبر الحدود الجنوبية بعد الانقلاب، فمهنم من بقي هناك ومنهم من تعامل معها باعتبارها دار ممر لا مستقر. صحيح أن شرط عدم ممارسة السياسة الذي قيد من في السودان لم يقيد من في تركيا، لكن العداء مع تركيا كان قبل انتقال المصريين إليها، وقبل ظهورهم فيها، بل وقبل إطلاق القنوات التلفزيونية المعادية للانقلاب منها!

وبعد ذلك لم يضع السيسي "العقدة في المنشار" في علاقته بالرئيس السوداني، ولم يطلب منه تسليمه المصريين الهاربين، كما فعل مع بلاد أخرى، وترك الأمور تجري في أعنتها!

كما أن التوجه الديني لأردوغان ليس هو المشكلة، فعلاقة البشير بالإخوان قد تكون في فترة من الفترات أقوى من علاقة الرئيس التركي بهم، فهو كان من رجال أربكان ولم يبايع التنظيم، وإخوان تركيا أعلنوا في الانتخابات الأخيرة تحالفهم مع حزب أتاتورك، ولم تمنع استضافته للإخوان المصريين من إعلان أكبر رأس فيهم (محمود حسين) أن الحزب الأقرب إليهم في تركيا هو "حزب السعادة" وليس حزب "العدالة والتنمية"!

فالعداء سببه أن تجربة أردوغان مزعجة لتجربة السيسي، وتمثل بدون تذكير بها دعاية مضادة لها!

إنها تجربة الحاكم المدني المنتخب القوي الناجح، في مواجهة حاكم عسكري أينما يولي وجهه لا يأتي بخير!

ولم يفعل وزير الأوقاف جريمة، يمكن أن تتسبب في إحراجه لدى الحاكم العسكري، بإشادته بأردوغان، لأنه لن يؤاخذه بانحيازه للثورة في السابق، ففي هذه مرحلة كان العسكر يتحدثون بلسان ثوري مبين ويضللون الرأي العام بأنهم من حموا الثورة وأجبروا مبارك على التنحي!

ولم يكونوا بعد قد اتخذوا موقفاً عدائياً من أردوغان باعتباره النموذج المدني المبهر في المنطقة!

تمسكوا بانحيازكم بتجربة أردوغان وبشروا بها لا يضركم من ضل!

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (1)
ihabr
السبت، 25-04-2020 03:21 م
خير.. ما فيش ولا تعليق واحد على مقال طويل وعريض زي ده..